إذا ضاع الأمن فلا أمان .. هذا حال مصر هذه الأيام حيث تجري منذ فترة ليست بعيدة محاولات حثيثة لإسقاط رجال الشرطة، وبالتالي إسقاط وزارة الداخلية المعنية بحماية أرواح وممتلكات الشعب عن طريق وضعهم في مواجهة مباشرة مع المتظاهرين الغاضبين، ما يؤدي في النهاية إلى سقوط ضحايا في صفوف الفريقين وإلى زيادة الاحتقان الشعبي تجاه رجال الشرطة الذين يرى البعض منهم أنهم باتوا مجرد أداة في يد النظام الحاكم الذي تديره جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما دفع قطاعا عريضا من ضباط وأفراد الشرطة إلى إعلان الإضراب المفتوح والتوقف عن العمل وإغلاق أقسام الشرطة احتجاجا على محاولات “أخونة” وزارة الداخلية!!
الجمعة الماضية أعلن ضباط الشرطة الإضراب العام على مستوى محافظات مصر.. وانسحبت الشرطة من عملية تأمين موكب الرئيس محمد مرسي ومنزليه في القاهرة الجديدة والشرقية، كما انسحبت الشرطة من أمام مقار جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ومكتب الإرشاد ومنزل رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل .. وحمل الضباط الرئيس مرسي وجماعته مسئولية الفشل الأمني الحالي وسقوط ضحايا من الشرطة والشعب يوميا .. كما أعلن الضباط رفضهم لمحاولات “أخونة” الداخلية. وقال النقيب هشام صالح المتحدث باسم ائتلاف ضباط الشرطة: لن نقف في وجه شعبنا لنرضي النظام, كما قال محسن عبدالفتاح المتحدث باسم اتحاد أفراد الشرطة إن ثورتهم ستتواصل لحين إقالة اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ووقف الأخونة والكف عن دفعهم لمواجهة المتظاهرين والشعب!!
إن انهيار النظام الشرطي الذي يتولى مهام الأمن في مصر البعض يراه عملا مدبرا ومخططا له في إطار انهيار مؤسسات الدولة خاصة بعد تفعيل المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تمنح المواطنين حق الضبطية القضائية، وبالتالي البديل سيكون ميليشيات الإخوان التي يزعم البعض أنها باتت على أهبة الاستعداد لتولي مهمة الأمن وتأمين المنشآت العامة والحيوية، وهو ليس حلا إن صحت تلك المزاعم؛ لأن ذلك سيسمح بظهور ميليشيات أخرى، وبالتالي تتحول الدولة إلى دولة ميليشيات لتسود الفوضى أكثر مما هي عليه، ويدخل المصريون في حروب داخلية خاصة في ظل انتشار السلاح داخل الأراضي المصرية والذي يتم تهريبه عبر المنافذ الحدودية منذ أحداث الـ25 من يناير 2011 وحتى الآن!!
اللافت للانتباه أن انسحاب الشرطة من المشهد العام تزامن مع نزول الجيش مرة أخرى مثلما حدث في محافظة بورسعيد، حيث انسحبت قوات الشرطة من محيط ديوان عام المحافظة ومديرية الأمن، وتولى الجيش عملية التأمين حفاظا على الأرواح وسلمية المظاهرات، وهو ما استقبله أهالي بورسعيد بفرح عارم مرددين “الجيش والشعب إيد واحدة”، واعتلى البورسعيديون الدبابات وكتبوا عليها “يسقط حكم المرشد”، وعقب انسحاب الشرطة نجح رجال الجيش المصري في فتح الطريق المؤدي إلى ميناء شرق بورسعيد والذي قام المتظاهرون بإغلاقه لعدة أيام على خلفية إعلان العصيان المدني في المدينة الباسلة!!
تزامن كل ذلك مع ترقب مصر ما سوف يحدث يوم الـ9 من مارس وهو اليوم الذي تم فيه النطق بالحكم في قضية مجزرة ستاد بورسعيد والتي راح ضحيتها 72 قتيلا من التراس “أهلاوي” في أول فبراير من العام الماضي، حيث هدد التراس النادي الأهلي والتراس النادي المصري البورسعيدي بالقيام بأعمال عنف في حال لم يرضِ الحكم أيا من الطرفين .. وهو ما حدث بالفعل حيث احترقت القاهرة بعد أحكام مجزرة بورسعيد وتم اقتحام مقر اتحاد كرة القدم وحرقه وسرقة محتوياته، كما تم اقتحام نادي الشرطة بالزمالك وإحراقه وتحطيمه، كما اقتحم ملثمون مراكز تجارية ومحلات في وسط القاهرة، واعتبر التراس أهلاوي أحكام المجزرة على الضباط مخزية وتوعدوا بأخذ القصاص بأنفسهم!!
مصر تحترق بيد أبنائها .. والعنف أصبح هو سيد الموقف .. وبات نزول الجيش إلى الميادين هو الحل الوحيد أمام الرئيس مرسي مثلما حدث في محافظة بورسعيد، وكذلك في محيط مقر مجلس الوزراء ومجلس الشورى بالقاهرة خاصة مع انسحاب رجال الشرطة وإضرابهم عن العمل .. حيث قامت قوات من الجيش بتأمين تلك المناطق وسط ترحيب من الأهالي .. فيما بدأت تتردد دعوات بنزول اللجان الشعبية للقيام بمهام الأمن وحماية المنشآت والممتلكات، وهو ما أعلنه المهندس جلال مرة أمين عام حزب النور السلفي والذي قال إنه سيتم تشكيل لجان شعبية في حال انسحاب الشرطة، ما يعني في النهاية أن مصر مقبلة على أن تتحول إلى دولة ميليشيات مثلها مثل دول أخرى كالصومال!!
إن انهيار جهاز الشرطة في مصر لن يكون في مصلحة أحد .. لا في مصلحة النظام الحاكم ولن يكون في صالح المعارضة .. كما أنه لن يكون بالتأكيد في مصلحة الشعب الذي سيجد نفسه يعيش في دوامة من العنف لا تنتهي .. نعم لقد سقط أكثر من 200 قتيل، وما يقرب من ستة آلاف مصاب في صفوف جهاز الشرطة منذ أحداث الـ25 من يناير 2011 وحتى كتابة هذه السطور .. والعدد قابل للزيادة مع استمرار حالة الاستهداف المتعمد لرجال الشرطة، حيث لا تخلو الصحافة المصرية كل يوم من حادث إطلاق نار تعرض له ضابط شرطة أو أمين أو مجند أودى بحياته خلال مطاردة مجرمين .. والحل الوحيد هو ألا تصبح الشرطة أداة في يد الحاكم، وأن يكون ولاؤها للشعب وليس لأحد آخر .. لأنه كما سبق وذكرت أن انهيار الشرطة لن يكون في مصلحة أحد!!
سامي حامد /مصر تحترق بيد أبنائها!!
17
المقالة السابقة