ليس هناك أخطر من منهج “المحاصصة” السياسي على وحدة المجتمع ومستقبل الدولة، وهو يشكل علامة من علامات التخلف، ومؤشرا خطيرا على مرض اجتماعي يصعب علاجه ويستعصي على الشفاء خاصة إذا دبّ في النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فيروس المحاصصة يستطيع القضاء على دول كبيرة وقوية فضلاً عن الدول الصغيرة والضعيفة، لأنه عبارة عن التخلي عن معايير الكفاءة والأمانة والقوة، إلى معايير أخرى مشتقة من الجهات أو الأصول أو المنابت، ما يعرض الدولة للإنهيار ويهدد المجتمعات بالانقسام المفضي إلى التنازع والإفلاس ومن ثم إلى الزوال والاستبدال.
ولذلك يجب الالتفات الجماعي إلى هذا المرض الذي يدب في مجتمعنا الأردني، وتحمل لواءه شخصيات ذات وزن سياسي أو اجتماعي في مجلس النواب، أو ممن يتسنمون مواقع متنفذة ويُجرى تضخيم “حس الزعامة” في نفوسهم من خلال شلل صحافية وأقلام مسمومة، ونفوس تعاني من فيروس المحاصصة الجهوي أو الشعور بهزيمة النفس المعنوية.
أخطر ما طرأ على دولة “العراق” الشقيق هو الإنقسام المجتمعي الحاد الذي تبلور خلال السنوات السابقة بوضوح شديد بين الشيعة والسنة، وبين العرب والأكراد والتركمان ما أدى إلى فرز مذهبي شديد الحساسية في الانتخابات التشريعية وكذلك فرز عرقي شوفيني شديد، يهدد بتقسيم العراق وإضعاف الدولة، ويهدد مستقبلها السياسي، ويضعف أثرها في الإقليم، فضلاً عن تعثر عملية الإصلاح الاقتصادي، وفضلاً عن الاقتتال الداخلي الذي يتغذى على التعصب والثارات الدموية التي لا تنتهي.
وقبل العراق “لبنان” أيضاً التي بنيت على أساس طائفي ومذهبي/ وما زال المجتمع اللبناني يعاني من هذا الانقسام الحاد الذي أنتج نظاماً سياسياً يقوم على مبدأ المحاصصة، الذي جرى الاعتراف به وشرعنته بالدستور والقوانين وتم تقاسم المناصب الكبيرة ومراكز النفوذ ومقاعد البرلمان على أساسه، وتريد كل فئة زيادة قوتها والحفاظ على مكاسبها وزيادة نفوذها، وأدى إلى تشكيل المليشيات الطائفية والأحزاب الطائفية والسلاح الطائفي، ما يجعل الطوائف والفئات تتسابق في هذا الميدان الذي يجعل اللجوء الى العنف والدماء والفوضى خياراً حتمياً لهذا المنهج الذي يعترف بالمرض ويتكيف معه ولا يعالجه.
وفي مقابل ذلك فإن مجتمع الولايات المتحدة أكثر تنوعاً و تعددية من حيث الأديان والمذاهب، ومن حيث الأصول والأعراق ومنذ ذلك أدركوا خطورة الانزلاق نحو منهج المحاصصة، وتوجهوا نحو خلق المجتمع الأمريكي الواحد والأمة الأمريكية الواحدة، وتمت معالجة مظاهر التعصب بشكل متدرج، واستطاعوا أن يصنعوا قوة مجتمعية موحدة وصلت الى مرتبة القوة الأولى على مستوى العالم سياسياً وإقتصادياً، وعسكرياً، وعلميّاً … .
إن الذين يريدون ادخال المحاصصة كمنهج سياسي عندنا في الأردن في تشكيل الحكومة واختيار الوزراء، ويطرحون “موضة” تقاسم النفوذ وتوزيع الحصص والمكاسب بهذه الروح وبهذه النفس، إنما يريدون تقسيم المجتمع وإضعاف الدولة، واحداث فتنة مجتمعية خطيرة لا علاج منها ولا شفاء .
يتلبس هذا المرض أشكالاً مختلفة من الطروحات السياسية، والخادعة والمضللة مثل “توزير النواب”، وأحساناً يتم التصريح بها بكل وضوح ومن دون حياد، وفي هذا المضمار يكمن الحل بأن تتم المناداة بالمبادئ الصحيحة واعتماد المعايير السليمة في الاختيار والفرز واستلام المناصب، ويتجلى ذك بالقول نريد الوزارة والمسؤولية على أساس الكفاءة والأمانة والقوة، وليكن من يكن، سواء كان من الجنوب أو الشمال أو الشرق أو الغرب، سواء كان نائباً أو حزبياً أو غير ذلك.
بمعنى أشد وضوحاً إذا كان هناك نائب كفؤ يستطيع أن يملأ مقعد الوزارة بطريقة لا يستطيع أحد أن يملأه بالكفاءة نفسها فليكن وزيراً لهذا السبب وليس لأنه نائب، وهذا ينطبق على توزير المرأة وغيرها، بمعنى أن تكون معيار الوزارة ليس كونه نائبا أو امرأة، بل كونه كفؤاً اميناً متخصصاً سواء كان رجلا أو امرأه،أو نائباً أو غير نائب.
د.رحيل غرايبة/”المحاصصة” مرض سياسي خطير
16
المقالة السابقة