تقتل قوانين العزل السياسي أو حتى الدعوة اليها والتي تصيب كثيرا من الشخصيات الفاعلة والهامة والوطنية في بلدانها أي امكانية للمصالحة وإعادة بناء المجتمعات العربية التي عصفت بها المتغيرات وهدمت بناها الأساسية بدرجات متفاوتة.
وتقود بعض التيارات الاسلامية في البلدان التي أصابها التغييرعمليات العزل السياسي لتنفرد بالسلطة والقرار كما في تونس وليبيا والعراق وتحديداً ليبيا حيث تعمل جهات متطرفة على اجبار الحكومة التي هي في طور التشكيل على اقرار قانون العزل السياسي الذي طال شخصيات سياسية لعبت دوراً ملموساً في انجاح الثورة بحجة انها عملت في نظام العقيد القذافي قبل عشر سنوات دون أن تأخذ بالاعتبار معاناة تلك الشخصيات في ذلك النظام وانحيازها الى شعبها وحتى توبتها السابقة وتخليها عن نظامه.
هذه التيارات المتطرفة التي تنتهي إلى الاسلام السياسي وتدعي أنها تأخذ بالاسلام وأخلاقه أين منها قول الرسول (ص) لأهل مكة حين دخلها فاتحاً (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ولماذا لا يحاسب بالعزل السياسي وغيره أولئك الذين ركبوا الثورة وجيّروها لصالحهم ووضعوا عيونهم على مفاصل الدولة واحتلوا ودحروا الثوار وأبعدوهم وراحوا يشكلون ميليشيات تناصرهم على حساب المؤسسات القائمة.
ألم ينقضّ الاخوان المسلمون في مصر على انجازات ثورة 25 يناير ليبعدوا، ليس الذين يستحقون العزل السياسي من خصومهم ممن عملوا مع نظام الرئيس مبارك بل أولئك الذين كانوا شعلة الثورة ووقودها حين هبط الشيخ القرضاوي قادماً من الدوحة إلى ميدان التحرير في القاهرة، وغابت أكثر من (12) منظمة مجتمع مدني وهيئة وتنظيم وجماعة أو طوردت باسم أعداء الثورة وجرى توجيه من يضربهم ويعتدي عليهم ويمنعهم من الاحتجاجات ووصموا بانهم أعداء الثورة ووضعوا في نفس إطار أعدائها التقليديين.
قوانين العزل السياسي خطرة جداً وتفقد المجتمعات امكانيات المصالحة والوئام وما نراه في ليبيا أكبر مثال فالحكومة تحت الانجاز الآن مهددة ولا يستطيع رئيس المؤتمر العام أن يشكل حكومة ويجري ابتزازه واطلاق النار على البرلمان وفي مواقع عديدة كي يصبح قانون العزل نافذاً وتحرم البلاد من بعض خيرة أبنائها مثل الدكتور ابراهيم جبريل وغيره ممن وضعوا أرواحهم على أكفهم مع نشوب الثورة وتصدوا لنهج النظام القذافي.
الدول التي تدخل نزعة الثأر بدل الذهاب إلى المصالحة والبناء فإنها ستنتهي إلى صراعات وحروب ومشاكل لا تتوقف وهذا ما حدث في العراق وما يسبب له الآن المزيد من العنف والتطورات المفجعة منذ كانت المشورة الصهيونية عبر الحاكم الامريكي بريمر بحل الجيش العراقي وأيضاً حل حزب البعث الذي كان حاكماً بدل الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والابقاء على المؤسسة العسكرية الوطنية بعد التخلص من بعض رموزها التابعة للنظام السابق كما يجري في العديد من ثورات العالم وكما جرى في ربيع البلدان الأوروبية أو تلك التي انفرطت عن الاتحاد السوفييتي السابق وذهبت شعوبها إلى صناديق الاقتراع.
تقع الحركات الاسلامية الحاكمة في البلدان العربية أو حتى تلك التي ترهن الثورة أو التغيير بغض النظر إن كانت في الواجهة أم لا وأكثرها من الاخوان المسلمين في مطبات خطرة بتغييب المصالحة واحتكار السلطة والاستثمار في الفوضى.
وأرى أن التجربة المغربية هي الأفضل والأنضج فقد جاء الملك محمد السادس برئيس وزراء من التيار الاسلامي (حزب العدالة والتنمية) وكلفه تشكيل الحكومة واطلاق مرحلة الاصلاح السياسي التي بدأت بخطاب الملك في مارس آذار عام 2011 وانطلقت من التعديلات الدستورية في تموز يوليو 2011 ورغم احتجاجات 20 فبراير الواسعة إلا أن حكومة عبد الاله بن كيران استطاعت احتواء الشارع لصالح الاستقرار والملكية على قاعدة أن الاصلاح تدريجي ولا يتم بين يوم وليلة وهو يختلف عن الثورة التي تعصف بكل شيء وقد لا يدرك الكثيرون أن الثورة الفرنسية 1798م والتي يضرب بها المثل قد بقيت لسنوات طويلة تعصف باستقرار فرنسا وأمنها وتدمر ما فيها قبل أن تستقر على شعاراتها وعلى يد قادة مختلفين تماماً أخذوا بالمصالحة وتوقفوا عن العزل السياسي.
العزل السياسي يأتي بأنظمة شمولية أو أنظمة أسوأ من تلك التي جرى اسقاطها والأمثلة من بلداننا موجودة ومن العالم ايضاً.
حين سألت بن كيران عن تعامل حكومته مع الفاسدين ومن أدوا إلى حراك 20 فبراير قال انه لا يريد أن يغرق في حرب الفساد ليقاتل طواحين الهواء ولكنه سيمنع ازدياده ويحاصره ويجرم فاعليه ولن تكون الحرب على الفساد مهمته الرئيسة وقال انه لم يأت من أجل تقييم الرجال واطلاق لحاهم وتغطية النساء ولا حتى أسلمة المجتمع فالناس مسلمون وليسوا بحاجة إلى من يدخلهم الاسلام والشعب اعطاه تفويضاً محدوداً حين انتخب حزبه وهو تفويض يرتبط بتحسين اوضاع المغاربة وليس ادخالهم للاسلام أو تغطية نسائهم وقد نقد ما يجري في مصر من فهم التفويض بأنه أسلمة الدولة والمجتمع.
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/ الإسلام السياسي لا يقتدي بالرسول (ص)
16
المقالة السابقة