عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
هل يعيد أبو مازن الاختراق للحلقة الاسرائيلية التي وضعها اليمين الاسرائيلي حول السلطة الفلسطينية، وأمعن في شيطنتها وإظهارها أنها متعنتة ورافضة، وأن زعيمها صعد فوق الشجرة ليمارس العبث والاستعراض..
أبو مازن لا يصمت ، ولا يضع رأسه في الرمل، رغم أن البعض يراه يناطح المخرز بكف عارية، إلا أنه مازال يدرك حجم وثقل المجتمع الدولي، حيث مازالت إسرائيل تراهن على هذا المجتمع بتقديمها صورة الفلسطيني الذي يرفض, تريد حكومة اليمين الاسرائيلية ان ترفض القيادة الفلسطينية “اوسلو” بكل معطياته، وأن تتخلى عنه وتنفض يدها منه، لتقول إسرائيل أن الفلسطينيين هم الذين فعلوا ذلك، وهذا ما أدركه رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد اشتيه بذكاء .. فإسرائيل دائما تريد أن تصفي أي مطالبات، وأن تعود لتبدأ من الصفر.. فعلت ذلك مع “الملك عبدالله الأول”، حيث تم اغتياله بعد كل الذي قدمه من أفكار ومشاريع ومواقف استحقت استحقاقات ترتبت على اسرائيل.. وكذلك بعد اغتيال “السادات” الذي لم يقطف شيئا من زيارته الى القدس وخطابه في الكنيست، وما ترتب على ذلك من استحقاقات .. وهي فعلت كذلك باغتيال الرئيس عرفات الذي أخذ بعملية السلام في تفاهمات قطعت شوطا ايجابيا مع رئيس الوزراء الذي اغتالته إسرائيل “اسحق رابين” وحتى بعد ذلك مع الرئيس الذي سجنته إسرائيل “ايهود اولمرت”..
اسرائيل اليمينية كانت وما زالت تمارس الارهاب بكل أشكاله، وتتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني الاساسية التي أقرها المجتمع الدولي، وجندت لذلك قادة أمريكيين أبرزهم على الاطلاق “ترامب” وطواقمه التي أكدت مواقفها أنها اسرائيلية أكثر من إسرائيل، ففي الادارة الامريكية هناك من هم أكثر تطرفا و يمينية ودفاعا عن المواقف الاسرائيلية، أكثر من غلاة الإسرائيليين، وقد سمعت بأذني الرئيس عرفات وأنا أزوره ويقول غاضبا: “مش عاوز أقابله”.. وكان يقصد دينس روس المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط آنذاك، ويقول: “انا عايز بيرس عايز أقابل بيرس”، وهذه دلاله على أن المتصهينين الأمريكيين أكثر تطرفا، وإلاّ لما قتل “رابين” على يد اليمين الإسرائيلي وبقرار من الحركة الصهيونية، لأنه في اعتقادها تجاوز الخطوط الحمراء.
ما قالته حفيدة رابين نوعا روثمان من المعسكر الديمقراطي أمام الرئيس أبو مازن في لقاء رام الله مهم، وهو إدانة واضحة وصريحة لما ارتكبته حكومة نتنياهو، ولما فعله اليمين الاسرائيلي عبر عشر سنوات، وهي إدانة يستطيع الرئيس أبو مازن أن يجندها لكسر حلقة الحصار اليميني الاسرائيلي لقضيته، فكلام السيدة حفيدة رابين وهي عضو كنيست وكذلك العضو الذي رافقها عن الحزب الذي يرأسه ايهود باراك عيساوي فريج غاية في الاهمية، وهو يصب تماما إلى جانب كلام الدكتور محمد اشتيه الذي قدم تشخيصا دقيقا للحال الذي تريد اسرائيل تابيده، برفض الفلسطينيين لـ “اوسلو”، ورغبتها الشديدة في استثمار ذلك.
تعلم الفلسطينيون الكثير، وها هي وقيادتهم تستخلص العبر، فقد انتهى زمن الانسياق وراء الشعارات والهتاف سيف الدين الحاج أمين إلى آخر المسلسل..
ولم يعد مجديا القول فقط للقدس “ماشين شهداء بالملايين” ، ونحن نرى الانفضاض العربي والإسلامي الخاذل للقدس وأهلها، وتركها أسيرة يجيرها ترامب عاصمة لإسرائيل، وتتدفق عليه مئات المليارات العربية وكأنها تكافؤه..
القيادة الفلسطينية التي تشعر بالخذلان العربي، تعلمت اشياء كثيرة بعد غزو العراق للكويت، ولم تعد تذهب إلى محور ضد آخر، فقد اعتمدت البوصلة الفلسطينية ليبقى قرارها مستقلا،وقد أكدت ذلك أمام المنامة وأمام التطبيع العربي المجاني، وأمام فتوى شيوخ ارضاع الكبير حين خاطب الرئيس عباس الأزهر عن القدس، ليقطع فتاوى الذين نفخت إسرائيل فيهم من روحها ليصبحوا رؤساء مجالس علماء المسلمين بقدرة قادر يدعون إلى الجهاد والتحرير من النهر الى البحر ، و ترسل حقائب أموالهم عبر إسرائيل لتدفع الأموال تكريسا للانقسام الفلسطيني – الفلسطيني
وهو ما يعمل عليه نتنياهو حين يدافع عن الأموال المرسلة إلى حماس بأن لها هدف أسمى من هدف إدانة حماس على أعمالها… فالأهم هو الانقسام وتغييب القضية، والهروب من استحقاقات اي مفاوضات جادة..
أدرك تماما ان إسرائيل لا تريد السلام وأنها تعمل بكل وسائلها لجعله عقيما، ومجرد تسمية وشعار تحتمي وراءه ، وهي تقترف جرائمها بحق شعبنا، وفي مقابل ذلك للرد على الموقف الإسرائيلي لا يكون ذلك “بفشة الخلق” او بالدعوة الى إلغاء “أوسلو” أو حل السلطة الفلسطينية أو كب ما تبقى من ماء وعداٌ برش المطر الذي لا يأتي…
شعبنا يدرك مصالحه، وعلى قيادته الا تنصت للدهماء والمزايدين، ولتلك القيادات التي تشبه مسرح العرائس حين تتحرك بأصابع إسرائيلية وأمريكية لتبدو ثورية…
لابد من استمرار الاشتباك مع إسرائيل بكل الوسائل مهما بدت متواضعة ، وعدم الهرب الى الخلف او الأمام او وضع الرأس في الرمل، ولابد للقيادة الفلسطينية وهي قيادة نابهة ومجربة، من أن تستمر في مواقف كالتي أعلنتها حفيدة رابين وان تواجه الانهيار العربي ليس بقلب الطاولة على النظام العربي الذي وصل ارذل العمر، وإنما بتبصيره بأن إسرائيل تريده حماراً تركبه ليوصلها الى حيث تريد، وأنها تريد مع الولايات المتحدة إسراج الخيل العربية في حروب لا تنتهي، وكلها باتجاه عكس بوصلة القدس، فلا بأس من أن تكون البوصلة “كابول” كما فعلت قوى الاحتياط المتمثلة في الإسلام السياسي الذي خدم إسرائيل، حين اختار “كابول” فجرى تدمير أفغانستان والعراق وأقطار أخرى…
ولا بأس من أن تكون البوصلة باتجاه إيران، أو تحت ذريعة مواجهة ايران لتدمير اليمن وليبيا وإضعاف مصر…
اليمين الإسرائيلي اليوم في أحسن مقاماته، ذاهب الى الانتخابات لإقامة حكومة يمينية صافية، او شبه صافية، لمزيد من الحروب والمذابح كما يقول الإسرائيليون أنفسهم… وهذا اليمين قد يرتكب منذ هذه اللحظة و عشية الانتخابات حماقات غير متوقعة، تستلزم الحذر ان بقي لدى النظام العربي ما يحذر منه بعد ان سلم الجمل والرسنِ..
واليمين الإسرائيلي الذي يقفز قفزات عالية الان، يمكن عرقلته والإطاحة بمشاريعه بقليل من الصمود والشجاعة والصبر، كما فعل الرئيس ابو مازن الذي استطاع من خلال شعبه الذي يلتف حوله الان اكثر من اي وقت مضى ان يعطل صفقه القرن وان يتحرك باتجاه التأثير العملي على الانتخابات القادمة الإسرائيلية، التي هي أشبه بسن السكاكين لملاقاة العنق الفلسطينية بعد كل هذا الحصار على شعبنا، وحرمانه من أمواله والضغط على أطراف إقليمية لحرمانه من المساعدات …
وخلق مناخ رهيب من الصمت الذي تنفذ من خلاله الجرائم الاحتلالية الإسرائيلية.
الفلسطينيون ابتلعوا الصدمة من الإدارة الأمريكية ومن حكومة اليمين الإسرائيلية، ومن خذلال الموقف الرسمي العربي، وهاهم يعاودون التعرض في أشكال أخرى ومتصلة من الصمود والكفاح المستمر، وفي مقدمة ذلك ما فعله الرئيس ابو مازن من كسر حلقه اليمين الإسرائيلي مجددا، باستقبال حفيدة رابين (نوعا روثمان )، ومن القول بمفاوضات غير مشروطة على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، بعد ان أتخذ قراراته الجريئة بوقف التنسيق مع سلطات الاحتلال ،وهو ما قاله أيضا رئيس الوزراء اشتيه وما أكده في تصريحات معلنة، من ان إسرائيل تريد تجريد الشعب الفلسطيني من كل مكاسبه، وإعادته الى المربع الصفر لتسهل إدانته…
القيادة الفلسطينية تعود للتحرك مجددا وهي تنهض بعزيمة شعبها وتدرك مخاطر اي مغامرات رخيصة، او انزلاقات غير محسوبة ومستمرة في حفاظها على قرارها المستقل ،الذي اراد البعض بيعه في سوق النخاسة لهذا الطرف او ذلك.
الرئيس عباس يكسر حلقة الحصار !!
12
المقالة السابقة