ا
تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان اليوم الثلاثاء، الفيلم الأمريكي “المصور ” للمخرج إدوارد سيدجويك، وذلك عند السادسة والنصف مساء في قاعة السينما بمقر المؤسسة بجبل عمان.
يعتبر هذا الفيلم الكوميدي الصامت الذي تم إنتاجه عام 1928، واحدا من أهم ثلاثة أفلام طويلة قام ببطولتها المخرج والممثل الكوميدي باستر كيتون في العشرينات من القرن الماضي.
يتميز الفيلم بخصوصية موضوعه، فهو من الأفلام الأولى في تاريخ السينما التي جعلت موضوعها المصور السينمائي الإخباري وطبيعة عمله وعلاقته بالكاميرا وما يتجشم من عناء في سبيل تصوير الأحداث، وتمت صياغة ذلك بقالب كوميدي مبدع.
وكان الفيلم أحد الأفلام غير المعروفة تماما في تاريخ السينما بسبب فقدان النسخة الأصلية منه، وكانت النسخة الوحيدة المتوفرة للعرض من هذا الفيلم نسخة ناقصة، وفي العام 1991 تم العثور على النسخة السالبة الكاملة من الفيلم في أحد المستودعات وتم ترميمها، ليصبح بالإمكان عرضه كاملا.
يلعب باستر كيتون في هذا الفيلم دور مصور فوتوغرافي يلتقط صور الناس في الشوارع، ثم يقرر أن يتحول إلى مصور سينمائي بعد أن التقى فرقة للتصوير السينمائي، وكان يصور تظاهرات احتفالية حاشدة، ثم تعرف على مساعِدة الفريق وأعجب بها والتقط لها صورة فوتوغرافية.
يبدأ الفيلم بلقطات قصيرة نرى فيها مصورين إخباريين أثناء عملهم في أماكن خطرة لتصوير الأحداث. وبعد ذلك نتعرف على باستر كيتون في دور المصور الذي يتفاجأ أثناء وقوفه مع كاميرته في إحدى الساحات بتدافع أعداد من المصورين السينمائيين وتزاحمهم من أجل الوقوف في أفضل موقع بهدف تصوير مسيرات جماهيرية احتفالية تتجه نحو مركز الساحة. ويركز المخرج على عرض مشاهد المصورين الذين يتسابقون لاحتلال الموقع الأفضل؛ فينحشر باستر كيتون بينهم في موقف كوميدي وهناك يشاهد المساعدة الجميلة.
يصور المخرج في هذا المشهد لقطات مذهلة في قوتها وجمالها، نرى فيها آلاف أوراق المنشورات والقصاصات الصغيرة وأوراق الزينة الملونة تتطاير في الهواء فوق رؤوس الحشود وتغطي الأرض. وحين ينتهي الاحتفال وينصرف الجميع نرى الأرض مفروشة بهذه الأوراق وباستر كيتون يقف وسطها إلى جانب الفتاة.
بعد ذلك تبدأ الحكاية التي تروي مغامرة باستر كيتون مع التصوير السينمائي وسعيه للحصول على عمل في شركة “مترو غولدين ماير” الشهيرة التي تعمل فيها الفتاة.
يبيع باستر كيتون كاميرته الفوتوغرافية ويقتني بثمنها كاميرا سينمائية مستعملة من طراز غير متطور. بعد ذلك يجد نفسه في الحي الصيني وسط معركة شرسة بين عصابتين محليتين تستخدم فيها الأسلحة النارية والقبضات والعصي. هذا المقطع يضم أكثر المشاهد قوة من الناحية الإخراجية ويعبر عن القدرات الكوميدية الكبيرة عند باستر كيتون.
يغامر باستر كيتون بحياته كي يصور المعركة بتفاصيلها، بل إنه يفعل أكثر من ذلك؛ إذ يعمد للتدخل في الشجار وتوجيه المتشاجرين ليحصل على أفضل لقطات ممكنة ومعبرة ومثيرة، وكأنه مخرج سينمائي يقوم بإدارة ممثلين يؤدون أدوارهم في مشهد معركة. ويتضمن هذا المقطع الطويل مواقف كوميدية متعددة وعناصر درامية جديدة، أهمها تورط باستر كيتون بمصاحبة قرد صغير سيكون له دور في بقية الأحداث وزيادة جرعة الكوميديا في الفيلم.
يركز الفيلم على العلاقة بين المصور والكاميرا دون أن يتجاهل ضرورة حكاية قصة حب بريئة تتخللها منافسة مع رجل آخر، هو أيضا مصور سينمائي، على قلب الفتاة الجميلة.
وينتهي الفيلم، كما هي العادة في السينما، نهاية سعيدة يفوز فيها البطل بقلب الفتاة التي يحب ويحقق من ناحية ثانية حلمه بأن يصبح مصورا سينمائيا. ولكن هذه النهاية التقليدية للفيلم لا تخلو من معنى ودلالة إضافية تتعلق بالسينما نفسها وبالكاميرا السينمائية ودورها ليس فقط في مجال تصوير الواقع، بل وأيضا في مجال كشف الحقيقة، حيث تصبح صورة الكاميرا وثيقة تدل على صحة الحدث.
يتضمن المشهد الأخير من الفيلم مغامرة وسط البحر قرب الشاطئ يتعرض فيه قارب فريق التصوير أثناء تصوير سباق قوارب للغرق، فيهرب المصور المنافس سابحا دون أن يحاول إنقاذ زميلته. أما باستر كيتون الذي كان واقفا على الشاطئ، فيترك الكاميرا وهي تصور ويقفز في الماء ويندفع لإنقاذ الفتاة ثم يضعها فوق الشاطئ مغمى عليها وينسحب بعيدا. وحين تستيقظ الفتاة تجد المصور زميلها بجانبها فتعتقد انه من أنقذها. لكن الكاميرا التي صورت الحدث تكشف للفتاة حقيقة من أنقذها وتفضح جبن زميلها.
تعتبر أفلام باستر كيتون اليوم من روائع السينما الصامتة، ومع ذلك تذكرنا بالمصير المأساوي لهذا الفنان الذي توقف عن النشاط السينمائي في سن مبكرة بعد أن اضطر لإغلاق شركة الإنتاج الخاصة به، وبعد الفشل التجاري لأفلامه الأخيرة التي أنتجها لحساب شركات أخرى، فأصيب بالإحباط ومات بعد ذلك فقيرا معدما عام 1966. ومن المفارقات، أن باستر كيتون عاد بعد انقضاء القرن العشرين ليحتل واجهة الاهتمام الإعلامي؛ فأُنتجت البرامج التلفزيونية عن حياته وأفلامه، وصدر كتاب عن تجربته.
