في عمّان، حيث تسقط أوراق الشجر على أرصفة مهجورة من الأمل، لا يطرق الخريف الأبواب وحده، بل يُفتح الباب أيضًا لعملية تجميل موسمية لمنظومة سياسية تجاوزت صلاحية الماكياج الوطني. نعيش موسم (البوتوكس الديمقراطي)، حيث تُسحب التجاعيد من وجه البرلمان، وتُحقن الحياة في شرايين متخشبة، فقط ليُقال إن شيئًا ما (تغير).
نعم، تأجيل دورة مجلس النواب ليس صدفة في جدول دولة، بل ضرورة في دفتر الإنتاج، حيث يعاد ترتيب ادوار الممثلين، وتُبدَّل بعض الوجوه ،لا لأن المرحلة تقتضي الكفاءات، بل لأن الجمهور ملّ من نفس الوجوه.
الاحد سيجتمع النواب في دورتهم الجديدة ولن يتفاجأ الأردنيون باسم رئيس المجلس ونوابه أبدا لان الديمقراطية الجديدة ليس مهما فيما رضى من يسلك الشارع بل من يهندسه .
في كواليس الدولة، هناك من يُعيد كتابة النص،الديكور سيتغير قليلاً، والإضاءة ستُحسَّن، وربما تُضاف خلفية ثلاثية الأبعاد لخلق وهم العمق، لكن المسرح نفسه لم يتغيّر، والسيناريوهات تُكتب بعيدًا عن أي جمهور، وتُصادق في غرف مغلقة، ثم تُعرض علينا وكأنها إرادة شعبية.
أما قانون الانتخاب المنتظر؟ فهو ليس ثمرة حوار، بل نبتة صناعية تُسقى بماءٍ دولي لا وطني. قانون لا يفرز تمثيلًا حقيقيًا، بل ممثلين محفوظي الدور، يصلحون لنشرات الأخبار المملة أكثر مما يصلحون لمواجهة ملفات الفقر والبطالة والعجز السياسي. قانون محشوّ بمفردات التغيير، لكنه يُخيط خصيصًا على مقاس (المسؤولية الآمنة)، لا المشاركة الشعبية.
وماذا عن الحياة الحزبية؟ يا للقدر. بعد طول انتظار ومخاض مُصطنع، أعلن عن اندماج خمسة أحزاب.والحدث، من حيث الشكل، يشبه إعلان اكتشاف مصل سياسي جديد،
لكن بالجوهر، هو تجميع لأوراقٍ صفراء سقطت في مواسم سابقة، ثم لُصقت معًا بمادة لاصقة دولية، على أمل أن تُقنعنا بأنها (شجرة حزبية) نامية.
ما نعيشه ليس اندماجًا طبيعيًا لتقاطع أفكار أو وحدة برامج، بل أقرب إلى زواج قسري بين تيارات متنافرة، جُمعت على عجلٍ لتلبية اشتراطات القانون، لا تطلعات الناس.
أحزاب بلا جمهور، بلا مؤسسات حقيقية، بعضها يخاف من بيان صحفي، وبعضها يرتبك من تغريدة.وماذا ننتظر من حزبٍ لا يجرؤ على الاعتراض؟ أو من (معارضة) تُؤثث طاولة الحوار لكنها لا تُدعى لوجبة القرار؟ إذن المشهد أشبه بمباراة تُقام بلا حكم، بلا جمهور، بلا نتيجة.
وحكومة د. جعفر حسان؟ لا تتحرك كسلطة تنفيذية. ليست حكومة قرار، بل حكومة تأجيل. حكومة تُتقن لغة الموازنة والتقارير، لكنها تتلعثم أمام سؤال، (متى يبدأ الإصلاح الحقيقي؟)
أما المواطن؟ فيبدو في المشهد كإكسسوار ديمقراطي، يُستدعى كل أربع سنوات، ليشارك في حفل يُسمى انتخابات، ثم يعود إلى مقعده، ببطاقته ، وهمومه المتراكمة.
لذلك، حين تلمع عناوين مثل(التمكين الحزبي) و(إعادة الهيكلة السياسية)، فإن كثيرًا من الأردنيين يبتسمون بمرارة، لأنهم يعرفون جيدًا الفرق بين البوتكس المفتعل والإصلاح الحقيقي، وبين إعادة تدوير الفشل، وبناء مسار جديد.
هل البرلمان القادم بعد القانون الجديد سيكون منصة مساءلة، أم واجهة للسكوت الرسمي؟
نخشى ألا يكون ما يجري تمهيدًا لمرحلة جديدة، بل استمرارًا لمرحلة قديمة… بوجوه أقل شحوبًا، لكن بنفس اللغة الخشبية.فهل من يكتب السيناريوهات السياسية يقرأ الشارع فعلًا؟ وهل يسمع صوت الذين لا يصلون إلى مراكز القرار، لكنهم يُدفنون تحت نتائجه؟
نحن لا نطلب الكثير.نطلب فقط أن لا يُستبدل التمثيل الشعبي بتوزيع تمثيلي، وأن لا تُقايض القوانين برضا مؤسسات التمويل، وأن لا تُغطى خيبات السياسة بكريم أساس انتخابي.
نريد قانونًا يعكسنا، لا قانونًا يُلبسنا.
في خريف عمّان، لا تسقط الأوراق فقط. بل تُسقط الثقة.وتُزرع الشكوك.
لكن لعلنا ولو لمرة نكسر النمط، ونمنح هذا البلد برلمانا يشبه وجعه، لا مرآته المشروخة.
خريف الأردن .. بوتكس لسحب تجاعيد البرلمان ..ليس مهما رضى سالك الشارع بل مهندسه* د. ميساء المصري
5
المقالة السابقة
