عروبة الإخباري –
في سجلّ المجد الأردني، تتلألأ أسماء الرجال الذين صانوا الكرامة يوم عزّ الرجال، في مقدمتهم يقف عبد الرزّاق الرحاحلة، مدير تسوية الأراضي في القدس عام 1967، الرجل الذي حارب الاحتلال بسلاح الأمانة والضمير، وانتصر دون أن يطلق رصاصة واحدة.
في ذلك العام العصيب، حين عمّ الدمار أرجاء القدس وارتجفت المدينة تحت ويلات الحرب، أدرك الرحاحلة أن المعركة الحقيقية كانت على هوية الأرض وذاكرة الوجود، فقد كانت بين يديه سجلات الملكية، وخرائط الأراضي، وقيود الأوقاف الإسلامية والمسيحية، التي تمثّل الوثيقة الشرعية للحق العربي في القدس.
وفي لحظةٍ نادرةٍ من البطولة، حمل هذه الوثائق بنفسه، وخرج بها من المدينة المقدسة إلى عمّان، ليحفظها في خزائن دائرة الأراضي والمساحة الأردنية، حارسًا للتاريخ، وحاميًا للحق، وأمينًا على إرث الأمة.
عبد الرزّاق الرحاحلة… كان رجل دولةٍ بكل معنى الكلمة، جسّد في موقفه أسمى معاني الولاء والانتماء. فقد اختار طريق الشرف يوم كان الصمت أسهل، وأثبت أن البطولة ليست حكرًا على المقاتلين في الميدان، بل هي أيضًا في صدق الأمانة وثبات الموقف.
لقد أنقذ بفعله آلاف الحقوق المقدسية من الضياع، وصان ذاكرة القدس القانونية والتاريخية. وبفضله، ما زالت تلك السجلات شاهدة على هوية المدينة العربية، وعلى أن الحق لا يموت ما دام في الأمة رجالٌ أمثاله.
رحل عبد الرزّاق الرحاحلة إلى جوار ربه عام 2021، بعد عمرٍ من العطاء والنزاهة والإخلاص، وترك خلفه إرثًا يفاخر به كل أردني شريف.
يحق لكل الأردنيين الشرفاء الفخر والاعتزاز بهذا النشمي الذي حارب الاحتلال بلا سلاح، وانتصر بإيمانه وأمانته وولائه لوطنه وقيادته وأمّته.
سلامٌ على روحه الطاهرة، وسلامٌ على كل من سار على درب النقاء والعزّة.
لقد علّمنا عبد الرزّاق الرحاحلة أن البطولة ليست صدًى يُروى، بل قيمةٌ تُخلّد… وأن الأردن، ما دام فيه رجالٌ كهذا النشمي العظيم، فلن تُهزم فيه الكرامة يومًا.
