الرأي –
تأتي زيارة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، إلى المملكة المتحدة، في توقيت سياسي بالغ الأهمية، لتعكس رسائل أردنية واضحة للعالم، مضمونها: أن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وبدعم ولي العهد، يواصل دوره المحوري في تثبيت الاستقرار الإقليمي، والدفاع عن القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، من موقع الشريك الفاعل لا المتلقي.
زيارة سمو ولي العهد إلى بريطانيا تمثل امتداداً لجولات سموه الخارجية التي تسند المواقف الأردنية في المحافل الإقليمية والدولية، وتترجم الرؤية الهاشمية القائمة على العمل الميداني والاتصال المباشر مع صناع القرار في العالم.
ففي لندن، كان لقاء سموه برئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر محطة سياسية محورية، أعادت التأكيد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، وعلى ضرورة البناء عليها لتوسيع مجالات التعاون في ملفات الاقتصاد، والتكنولوجيا، والدفاع، والسياسة.
وقد شدد سموه خلال اللقاء على أهمية نيل الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة، وقيام دولته المستقلة على أساس حل الدولتين، مثمناً خطوة المملكة المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومؤكداً في الوقت ذاته ضرورة ضمان تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب في غزة بجميع مراحله وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية دون قيود.
بهذه الرسائل، حمل ولي العهد الموقف الأردني إلى قلب القرار البريطاني، ليجدد التأكيد على أن السلام العادل لا يتحقق إلا بالعدالة السياسية، وأن الأردن سيظل صوتاً ثابتاً للحق الفلسطيني في مواجهة ازدواجية المعايير الدولية.
الزيارة اتسمت بالشمولية من حيث أجندتها ومضامينها. فسياسياً، شملت لقاءات رفيعة مع وزيرة الخارجية البريطانية، ورئيس وأعضاء مجلس العموم؛ ما يعكس حرص لندن وعمّان على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة على أرفع المستويات.
وفي بعدها العسكري، جسدت الزيارة مستوى التنسيق الوثيق بين المؤسستين العسكريتين الأردنية والبريطانية، عبر زيارة قاعدة “بنسون” الجوية برفقة سمو الأمير وليام أمير ويلز، ولقاء رئيس أركان الدفاع البريطاني، في دلالة على ثقة متبادلة وشراكة أمنية متقدمة.
أما اقتصادياً وتكنولوجياً، فقد حملت الزيارة مضموناً استراتيجياً جديداً من خلال رعاية سموه إطلاق منتدى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردني البريطاني، الذي يمثل منصة لتعزيز التعاون في الاقتصاد الرقمي، وجذب الاستثمارات، وتطوير المهارات التقنية للشباب الأردني.
كما التقى سموه رؤساء تنفيذيين وقادة مؤسسات اقتصادية كبرى، في سياق الجهود الوطنية للترويج للأردن كوجهة آمنة وواعدة للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والطاقة والتعليم المهني.
وفي الإطار ذاته، جاءت زيارة سموه إلى الشركة المعتمدة لبرنامج BTEC البريطاني، الذي تطبقه وزارة التربية والتعليم الأردنية، تأكيداً على اهتمام الأردن ببناء جيل مؤهل لمتطلبات سوق العمل العالمية، وتعزيز التعليم المهني كشريك رئيسي للتنمية.
على الرغم من زخم الملفات الاقتصادية والتكنولوجية، بقيت القضية الفلسطينية هي المحور المركزي في جميع لقاءات ولي العهد.
فالأردن لا يتعامل مع الحرب في غزة كحدث عابر، بل كقضية وجودية تمس الأمن الإقليمي والضمير الإنساني في آن واحد.
وفي هذا الإطار، جاءت دعوة سموه إلى تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب وضمان تدفق المساعدات دون قيود بمثابة رسالة واضحة للمجتمع الدولي بضرورة الانتقال من الخطاب الإنساني إلى الفعل الميداني.
تجسد زيارة سمو ولي العهد إلى بريطانيا نموذجاً لدبلوماسية تجمع بين الرؤية السياسية الهادئة، والحضور الميداني النشط، واللغة العصرية في مخاطبة العالم.
فهو لا يحمل فقط رسالة الدولة الأردنية، بل يمثل جيلاً شاباً من القادة العرب الذين يوازنون بين الثوابت الوطنية والانفتاح على التحولات العالمية.
ختاماً، فإنه في زمن تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد، والأمن بالتحالفات، جاءت زيارة ولي العهد إلى بريطانيا لتؤكد أن الأردن ماضٍ في دوره كجسر للتفاهم، وأن رؤيته في التعامل مع قضايا الإقليم تقوم على مبدأ الشراكة والعدالة والسلام الشامل.
فمن قصر ويندسور إلى مقر الحكومة البريطانية، حمل سمو ولي العهد رسائل الأردن بوضوح: أن الأمن الإقليمي يبدأ من العدالة، والتنمية لا تنفصل عن الكرامة الإنسانية، وأن الأردن سيظل صوت العقل في زمن الاضطراب.
