تشغل مسألة الشرعية السياسية مكانًا محوريًا في النقاشات المتعلقة بمستقبل سوريا بعد سنوات طويلة من الحرب، مع صعود الحكومة الانتقالية في دمشق بقيادة أحمد الشرع كسلطة تمارس الحكم الفعلي على الأرض. وتثار تساؤلات قانونية دقيقة حول مدى شرعية هذه الحكومة من منظور القانون الدولي، إضافة إلى طريقة تعامل الدول الكبرى، وعلى رأسها روسيا، مع الواقع الجديد، مع الأخذ بعين الاعتبار سمعة روسيا ووفاءها لالتزاماتها تجاه حلفائها. في هذا الإطار، يقدم الخبير في القانون الدولي الإنساني أكرم كمال سريوي قراءة تحليلية معمقة عن وضع الحكومة الانتقالية ضمن منظومة الشرعية الدولية، ولموقف روسيا من الرئيس السابق بشار الأسد، مستندًا إلى مبادئ القانون الدولي العام واتفاقيات اللجوء وحقوق الإنسان.
توضح التحليلات القانونية أن التعامل مع الحكومة الانتقالية في سوريا ممكن استنادًا إلى الأعراف والاتفاقات الدولية، بوصفها سلطة أمر واقع تمارس الحكم والسيطرة داخل حدود الدولة السورية. وفقًا لمبدأ السيادة، لكل دولة الحق في الاستقلال والسيادة على أراضيها، ويُفترض أن تمارس الحكومة الشرعية هذا الحق باسم الشعب. لكن في الحالات التي تغيب فيها الحكومة الشرعية أو تنهار مؤسساتها، يمكن لسلطة الأمر الواقع أن تتولى إدارة شؤون الدولة وتمارس سلطتها الفعلية، لتصبح بحكم الأمر الواقع حكومة قائمة، حتى وإن لم يُعترف بها رسميًا على المستوى الدولي. ويشير سريوي إلى أن هذا المفهوم يجد جذوره في التجارب التاريخية للدول التي شهدت فترات انتقال سياسي حاد، حيث اضطرت الأطراف الدولية إلى التعامل مع الواقع القائم حفاظًا على مصالحها واستقرار المنطقة.
تتأثر شرعية سلطة الأمر الواقع بعدة عوامل مترابطة، أبرزها مدى سيطرة هذه السلطة على الأرض ومدى قبول الشعب لها واحترامها للقانون الدولي. كلما اتسعت رقعة السيطرة واستتب الأمن ضمنها، ازدادت فرص ترسيخ شرعيتها السياسية والإدارية. كما أن دعم الشعب، سواء عبر المشاركة أو الرضا العام، يشكّل عنصرًا أساسيًا في بناء هذه الشرعية. أما احترام القانون الدولي، ولا سيما مبادئ حقوق الإنسان، فيعد معيارًا حاسمًا في تحديد موقف المجتمع الدولي منها، إذ إن الدول غالبًا ما تربط الاعتراف السياسي بمدى التزام السلطات الجديدة بالقوانين والمعايير الدولية. وفي بعض الحالات، قد يُمنح الاعتراف الدولي لسلطة الأمر الواقع إذا نجحت في تحقيق الاستقرار وتقديم نموذج حكم منضبط ومتزن، كما يوضح أكرم كمال سريوي.
يشير الخبير في القانون الدولي الإنساني إلى أن الطريق نحو التحول من سلطة أمر واقع إلى حكومة شرعية يتطلب سلسلة من الخطوات الجوهرية المتدرجة، أولها تحقيق الاستقرار الداخلي عبر فرض الأمن وضمان انتظام مؤسسات الدولة، لأن الشرعية لا تُبنى في فراغ سياسي. ثم يأتي بناء المؤسسات القادرة على إدارة الدولة وفق نظام قانوني ودستوري واضح، يشمل إنشاء أجهزة حكومية فعّالة ومؤسسات رقابية وتشريعية. ويعد احترام حقوق الإنسان شرطًا أساسيًا في هذا المسار، إذ يمنح السلطة الجديدة مصداقية أمام المجتمع الدولي ويعزز فرص قبولها رسميًا. ويختم سريوي هذا الجانب بالتأكيد على أن بناء علاقات متوازنة مع المجتمع الدولي، من خلال التعاون والمشاركة في المنظمات الدولية، هو أحد أعمدة التحول نحو الشرعية الكاملة.
يفصل سريوي بين نوعين رئيسيين من الاعتراف الدولي بسلطة الأمر الواقع: الاعتراف الفعلي والاعتراف القانوني. فالاعتراف الفعلي يعني إقامة الدول لعلاقات عملية مع السلطة القائمة، كفتح السفارات أو الاعتراف بجوازات السفر أو توقيع اتفاقيات تجارية، دون منحها صفة الحكومة الشرعية. أما الاعتراف القانوني فهو إعلان رسمي من دولة أو مجموعة من الدول بأن هذه السلطة تمثل الدولة بشكل قانوني وسيادي، ويُعد هذا النوع أعلى درجات الاعتراف وأكثرها رسوخًا. ويؤكد أكرم كمال سريوي أن الفرق الجوهري بين الاعترافين يكمن في أن الاعتراف الفعلي لا يمنح صفة الدولة أو الحكومة الشرعية، بينما الاعتراف القانوني يتضمن إقرارًا رسميًا بالسيادة الكاملة.
انطلاقًا من المعايير السابقة، يرى سريوي أن الحكومة الانتقالية في دمشق بقيادة أحمد الشرع قد نالت بالفعل اعترافًا قانونيًا يكرّس وجودها كسلطة شرعية تمثل الدولة السورية في المجتمع الدولي. باتت هذه الحكومة تشغل مقعد سوريا في المحافل الدولية، وتُقيم علاقات رسمية مع دول عدة، ما يجعلها من الناحية الواقعية والقانونية الممثل الشرعي للدولة السورية. ويشير سريوي إلى أن استقبال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع كرئيس دولة خلال زياراته الخارجية، ولا سيما زيارته الأخيرة إلى موسكو، يعكس هذا التحول السياسي الكبير في الموقف الدولي، ويؤكد انتقال الشرعية من مرحلة الاعتراف الفعلي إلى مرحلة الاعتراف القانوني الكامل.
يوضح سريوي أن روسيا منحت الرئيس السوري السابق بشار الأسد حق اللجوء الإنساني بقرار خاص، مع الحفاظ على سمعة روسيا ووفاءها لالتزاماتها تجاه حلفائها، وهو أمر يعكس سياسة موسكو في حماية منحها اللجوء وعدم المساس بهم. وتُنظم اتفاقية عام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 أصول وقواعد اللجوء، مع ضمان حماية كل شخص يتعرض لخطر الاضطهاد أو الموت أو السجن في بلده الأصلي. ويؤكد سريوي أن هذا النوع من اللجوء لا يُلزم الدولة المضيفة قانونيًا بقبول أي تسليم، ويمنح المستفيد حماية كاملة طالما استمر الخطر القائم عليه.
يبيّن سريوي أن القانون الدولي يميّز بوضوح بين نوعين من اللجوء: السياسي والإنساني. ✍️فاللجوء السياسي يُمنح لمن يواجه خطر الاضطهاد بسبب مواقفه أو نشاطه السياسي، ويتيح له الإقامة والعمل والحصول على حماية قانونية شاملة، كما يمنع تسليمه لأي جهة قضائية أو دولة أخرى.
🔻 المبادئ التي تحكم حق اللجوء الإنساني
يوضح سريوي أن حق اللجوء الإنساني تحكمه مجموعة مبادئ أساسية نصت عليها الاتفاقيات الدولية، أهمها:
📌 مبدأ عدم الرد أو الإبعاد: يحظر طرد أو إعادة اللاجئ إلى بلده إذا كانت حياته مهددة.
📌 مبدأ عدم فرض العقوبات: يمنع معاقبة اللاجئ بسبب طريقة دخوله.
📌 مبدأ عدم التمييز: يضمن المساواة في المعاملة بين جميع اللاجئين.
📌 مبدأ الطبيعة الإنسانية لحق اللجوء: يجعل من اللجوء حقًا طبيعيًا وسلميًا لا يُعد عملًا عدائيًا أو غير ودّي.
استنادًا إلى هذه المبادئ، يرى سريوي أن روسيا لا يمكنها قانونيًا أو سياسيًا تسليم الرئيس السابق بشار الأسد إلى السلطات السورية الحالية أو أي محكمة دولية، طالما أن حياته قد تتعرض للخطر بسبب موقعه السياسي السابق كرئيس للجمهورية. ويضيف أن قرار منحه اللجوء الإنساني يعكس وفاء روسيا لالتزاماتها تجاه حلفائها وحماية سمعتها الدولية، ويؤكد استحالة المساس بهذا الحق أو تجاوزه تحت أي ظرف.
🔹 أبرز نقاط الحوار:
- 📌 الحكومة الانتقالية في دمشق بقيادة أحمد الشرع تمثل سلطة أمر واقع وتحظى باعتراف قانوني دولي.
- 📌 تسليم بشار الأسد مستحيل قانونيًا وسياسيًا في ظل حصوله على لجوء إنساني، ويعكس وفاء روسيا لالتزاماتها وحماية سمعتها.
- 📌 الاعتراف الدولي يمر عبر معايير السيطرة على الأرض، دعم الشعب، واحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.
- 📌 التحول من سلطة أمر واقع إلى حكومة شرعية يتطلب تحقيق الاستقرار وبناء المؤسسات واحترام حقوق الإنسان.
- 📌 الفرق بين الاعتراف الفعلي والاعتراف القانوني يؤثر على مكانة الحكومة الانتقالية دوليًا.
- 📌 اللجوء السياسي يمنح حصانة وحقوق أوسع من اللجوء الإنساني، لكنه مرتبط بالخطر السياسي المحدق.
