إن سارت الأمور وفق ما أعلنه ترمب، فإن اليوم وكما في التسميات الأمريكية هو «الاثنين العظيم»! إنه اليوم الذي من المرتقب أن يشهد تتمة تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب بين إسرائيل وحماس وتلك مسؤوليتهما الحصرية المشتركة التي لا يستطيع أي منهما التنصل مما اتفق عليه في شرم الشيخ ومن قبل -من الناحية العملية- في القمة العربية الإسلامية الأمريكية المصغرة، ورابع لقاء يعقده الرئيس الأمريكي مع رئيس وزراء إسرائيل منذ ولايته الثانية.
«اليوم التالي» يبدأ عمليا ليس بإتمام تسليم الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات، ولا بإنجاز الصفقة التبادلية بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين بمن فيهم ذوو الأحكام المؤبدة أو الطويلة، بل بالقضاء على البنية التحتية لحماس عبر خيار التسليم والتفكيك والتفخيخ، عوضا عن القصف الجوي والمدفعي غير المسبوق. تلك مرحلة حرصت إدارة ترمب والقوات المسلحة الأمريكية من خلال ستيف ويتكوف مبعوثه الخاص لمهام السلام (عالميا وليس أوسطيا فقط) وقائد المنطقة الأمريكية الوسطى (ومن الخطأ ترجمتها بالمركزية) الأدميرال براد كوبر، حرصا على تفقّد منطقة قد يزورها ترمب على مشارف قطاع من داخل الحدود الإسرائيلية مع القطاع أو عبره أيضا. زيارة ميدانية برفقة قائد الجيش الإسرائيلي لما تقرر تسميته مركز التنسيق المدني-العسكري. كما يتضح من الاسم للمركز الأمريكي، وعلى أرض تحت السيطرة الإسرائيلية، يهدف إلى التنسيق -مع الأطراف كافة وبخاصة المنخرطة بملف غزة «اليوم التالي»- لضمان تنفيذ المهام المدنية والعسكرية لذلك اليوم وفق خطة ترمب والتي تقتضي تحقيق ثلاثة أهداف من الناحية العملية: إغاثة المنكوبين الغزيين، تفكيك بنى حماس العسكرية -فوق الأرض وتحتها-، والعمل على ضمان القضاء على أي من مظاهر العسكرة لأي فصيل، ومن ثم المباشرة في إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، على مدى عامين.
وعليه، فإن ما ينتظره أهلنا في غزة هاشم هو فرج عظيم بعد شدة وكربة وحصار وحرب وقمع وفساد واحتلال دام ما هو أطول من الحولين، دام زهاء القرن. وقد شكّل اللاجئون والنازحون والمبعدون الفلسطينيون غالبية سكان القطاع قبل كارثة السابع من أكتوبر 2023 وقبل انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية التي ينبغي أن تصير بضغط عربي وإسلامي ودولي «متجددة» بما يسقط الذرائع من الداعين إلى مواصلة الحرب أو الضغط لما يحلم به رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو بألا يسمح لأي من الطرفين «حماسستان ولا فتحستان» بحكم القطاع في اليوم التالي.
ولس أدري إن كان شيئا من الذكاء أم خليط من المكر أو الخبث، أن تنبري أصوات -عبر بعض المنابر والمنصات- إلى إثارة ما يعرف الجميع يقينا أنها ثغرات للانزلاق عبر من ثبت افتقارهم إلى التقدير الموضوعي الصادق الأمين للأحداث، فيما يقوّض فرص إنجاح الاتفاق الذي سيكتسب زخما دوليا رسميا في حفل رسمي يقام في شرم الشيخ يحضره ترمب وعدد من القادة -من بينهم جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، ورؤساء الوفود بما يشبه التأسيس لمؤتمر دولي لصنع السلام في الشرق الأوسط برمته وليس رؤية الدولتين فقط.
كما يسبق «الثلاثاء العظيم» في بلاد العم سام صمت انتخابي وهو العرف المتوافق عليه عالميا، حبّذا لو يراعى الصمت الأمني المعيشي، احتراما لتلك الألوف المؤلفة التي تذكّرنا بشعيرة الصفا والمروة، وما صبرت وصابرت عليه أمّنا هاجر وجدنا إسماعيل.
كم هو مؤثر أن يستلهم الفلسطينيون والإسرائيليون بكل تياراتهم وعلى اختلاف مواقفهم وأحوالهم، أن يستلهموا ومعهم ومن حولهم الجميع في الإقليم والعالم كله، أن يستلهموا صبر سارة حتى بشّرها الله بإسحاق، وصبر هاجر على عطش إسماعيل، بكر جدّنا إبراهيم عليه السلام. ليتنا نتقي الله في تلك الأرواح الغضة من الرضّع والأطفال والعجزة والمرضى الذين راحوا وجاءوا حولين كاملين.
في حضرة الموت والفقد لا يكون إلا الصمت بجلال.. اللهم أجر أهلنا أحبتنا في غزة هاشم، واجبرهم وكن عونا لهم ولمن كان صادقا في غوثهم الحقّ ونصرتهم الحقة..
