منذ أن عرفتها قبل سنوات خلت، وهي تنير الطريق بخطى واثقة، لا تتوانى عن رسم مستقبلها بعقل حاد وضمير صادق.
سوسن مهنا تنقل الحقيقة كما هي، بدون رتوش أو مبالغات، فتمنح المتلقي صورة واضحة عن الأحداث وتحليلًا دقيقًا لما يحيط بالمنطقة من تحولات. وكثيرًا ما تصيب في تحليلاتها وتقاريرها، سواء على الصعيد السياسي، الأمني، أو الاجتماعي، لتثبت أن خبرتها ليست مجرد معرفة نظرية، بل فهم عميق للميدان والواقع، ووعي لا يتزعزع لمجريات الأحداث.
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات على الشاشات، وتتشابه فيه الوجوه خلف الأضواء، تحضر، مهنا بشكل مختلف، أنيق الملمح، عميق المعنى.
هي الإعلامية اللبنانية التي صنعت لنفسها مكانة لا تُشبه سواها، لأنها لم تدخل عالم الصحافة بحثًا عن مجدٍ شخصي، بل عن حقيقة تليق بالمشرق الذي تنتمي إليه وتؤمن به.
منذ بداياتها، عُرفت بجرأتها الهادئة، وبقدرتها على الجمع بين التحليل السياسي الرصين والحسّ الإنساني العميق.
لم تكن يومًا مجرّد مذيعة أو معلّقة على الأحداث، بل امرأة تُصغي إلى ما وراء الخبر، وتقرأ ما بين السطور، تنسج رؤيتها من عمق التجربة، وتُعبّر عنها بلغةٍ راقية تليق بعقلها وثقافتها.
في حضورها على الشاشات العربية والدولية، تفرض احترامها بثقتها وهدوئها، وبقدرتها على تحويل النقاشات السياسية إلى حوارات فكرية ناضجة، خالية من الانفعال، ممتلئة بالمعرفة.
لكن ما يميز سوسن مهنا أكثر من غيرها هو طموحها الذي لا يعرف حدودًا.
فبعد سنوات من العمل الميداني والتحليل الإعلامي والبحث في قضايا المنطقة، اختارت أن تعود إلى مقاعد الدراسة — لا لتُضيف لقبًا جديدًا، بل لتُضيف فصلًا جديدًا في مسيرتها الفكرية.
ها هي اليوم تُعد رسالة ماجستير حول قضايا الصراع والهوية في المشرق العربي، في خطوةٍ تعكس إيمانها بأن العلم ليس مرحلة، بل مسيرة لا تنتهي.
اختيارها لهذا الموضوع بالذات ليس مصادفة؛ فهو امتداد طبيعي لمسارها المهني والفكري.
فقد عملت باحثة رئيسية في ملفات تتعلق بالجماعات الإرهابية والمتطرفة في الشرق الأوسط، وامتلكت فهمًا عميقًا لبنية الصراعات، وتشابك الهويات، وتحوّلات الوعي في المنطقة.
سوسن تقرأ المشرق لا بعين السياسة فقط، بل بعين الإنسان الباحث عن المعنى في زحمة الخراب، وعن الهوية وسط تعدّد الانتماءات.
هي أنيقة الفكر كما الحضور، لا ترفع صوتها لتُقنع، بل ترفع منسوب الحجة لتُضيء.
تجمع في شخصها بين أناقةٍ ظاهرة وعمقٍ فكريّ خفيّ، بين جمال الحضور وجلال المضمون، لتُثبت أن الأنوثة لا تُناقض الصرامة الفكرية، بل تُجمّلها وتمنحها بُعدًا إنسانيًا راقيًا.
في كل لقاءٍ معها، تشعر أن وراء الكلمة عقلًا واسع الأفق، ووراء النظرة مشروعًا فكريًا متكاملًا.
فهي لا تتعامل مع الصحافة كوظيفة، بل كرسالة، ولا ترى التحليل كمهنة، بل كمسؤولية.
وهذا ما جعلها واحدة من الأسماء القليلة التي تجمع بين المصداقية الإعلامية والعمق الأكاديمي، بين الحضور الإعلامي اللامع والبحث العلمي الجاد.
سوسن مهنا اليوم نموذج نادر للمرأة العربية التي تسير بثقة في دروب الفكر، وتؤمن أن التقدّم لا يُقاس بما نملكه، بل بما نعرفه، وبقدرتنا على تحويل المعرفة إلى بصيرة.
هي ابنة جيلٍ يؤمن أن الهوية ليست شعارًا يُرفع، بل سؤالًا يُطرح ويُبحث عنه في أروقة الفكر والمجتمع والتاريخ.
وفي كل ما تقوم به، تذكّرنا سوسن بأن النجاح لا يعني الوصول، بل الاستمرار في السعي.
أن الطموح لا يتوقف عند منصب أو شهرة، بل يبدأ من الرغبة في فهم الذات والعالم.
أن الجمال لا يُقاس بالمظهر، بل بالحضور، وبالقدرة على أن تكون الكلمة مرآةً للعقل والقلب معًا.
سوسن مهنا…
الجميلة التي لا تشبه أحدًا، والعالمة التي لا تكتفي بما تعرف، والصحافية التي جعلت من الفكر طريقًا نحو التأثير.
هي ديدن الجميلة فعلًا — لأنها تؤمن أن الرسالة لا تُقال، بل تُعاش… وأن الطموح حين يسكن امرأة، يصنع منها وطنًا من ضوء.
