على مدار عامين، تعرض قطاع غزة لحرب إبادة ممنهجة طالت كل جوانب الحياة، إلا أن الأطفال كانوا الأكثر تضررًا والأكثر استهدافًا. هؤلاء الذين لم يعرفوا من الحياة سوى الحصار، ومن الطفولة سوى صوت القصف، وجدوا أنفسهم في قلب واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
لقد تجاوز عدد الأطفال الذين قُتلوا خلال هذه الحرب العشرين ألف طفل، في انتهاك صارخ لاتفاقية حقوق الطفل، وخاصة المادة السادسة التي تنص على حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو. لم تكتف الحرب بقتلهم، بل شوهت حياتهم ومستقبلهم؛ فأكثر من خمسين ألف طفل جُرحوا، وأُصيب اثنا عشر ألفًا منهم بإعاقات دائمة. واليوم، تُعد غزة من أعلى مناطق العالم في نسبة الأطفال مبتوري الأطراف.
ومن بين أبشع الجرائم التي رافقت الحرب، كان استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني. قُتل مئة وأربعة وخمسون طفلًا بسبب الجوع، فيما يعاني أكثر من واحد وخمسين ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، نتيجة الحصار الخانق وتدمير البنية التحتية الغذائية والصحية.
لم تقتصر الانتهاكات على حق الحياة والتغذية، بل طالت الحق في التعليم، وهو من الحقوق الأساسية التي تنص عليها المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل. لقد حُوّلت المدارس إلى ركام، ودُمّرت أكثر من 80% من مؤسسات التعليم، ما أدى إلى حرمان سبعمئة ألف طالب من حقهم في التعليم. آلاف الطلاب قُتلوا، وقرابة خمسة وأربعين ألف طفل لم يتمكنوا من بدء عامهم الدراسي بسبب النزوح أو فقدان المدارس. التعليم لم يعد متاحًا ولا آمنًا، بل أصبح هو الآخر من ضحايا الحرب.
أما الحق في الصحة والرعاية، فقد تلاشى بالكامل تحت نيران القصف وانهيار القطاع الصحي. فالمستشفيات والمراكز الطبية استُهدفت مباشرة، والمستلزمات الأساسية من أدوية وتجهيزات طبية باتت شبه معدومة. الأطفال الجرحى لا يحصلون على العلاج الكافي، بل ويُحرمون من أبسط أشكال الدعم النفسي، في وقت أصبحت فيه أمراض يمكن علاجها بسهولة تهدد حياتهم.
ما يحدث في غزة لا يمكن وصفه بأقل من كونه سقوطًا كاملاً لمنظومة القانون الدولي الإنساني. فالاستهداف الممنهج للمدنيين، وتجويع الأطفال، وتدمير المرافق التعليمية والصحية، كلها جرائم حرب موثّقة، تُرتكب في وضح النهار، وأمام مرأى ومسمع العالم، وسط صمت دولي مخزٍ يُعد تواطؤًا غير مباشر.
لكن مع توقف آلة الحرب، لا تنتهي المعاناة. بل يبدأ التحدي الحقيقي: كيف نعيد لأطفال غزة حقهم في الطفولة؟
نحلم بأن يُمنح كل طفل فرصة للشفاء، وللنمو في بيئة آمنة، حيث يكون البيت مأوى لا هدفًا، والمدرسة مكانًا للتعلم لا حطامًا، والمستشفى ملاذًا للشفاء لا ساحة قتال.
نأمل أن تتجه الجهود المحلية والدولية إلى معالجة آثار الحرب على الأطفال نفسيًا وجسديًا، وتوفير سبل الحياة الكريمة، من تغذية وتعليم ورعاية صحية وسكن آمن. إن حماية الأطفال ليست مطلبًا ثانويًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لا يحتمل التأجيل.
وإذا كانت الحرب قد سرقت من هؤلاء الأطفال طفولتهم، فإن السلام الحقيقي يبدأ فقط عندما نمنحهم ما فقدوه: الأمان، والأمل، والكرامة.
إن استمرار الحرب على الأطفال هو وصمة عار في جبين الإنسانية، والسكوت على الجرائم المرتكبة بحقهم هو مشاركة فعلية فيها. أطفال غزة لا يملكون صوتًا في المحافل الدولية، ولكنهم يملكون الحق في الحياة.
