مع مرور عامين على هجوم «طوفان الأقصى» (7 أكتوبر) الذي شنته كتائب القسام- الجناح العسكري لحركة حماس على إسرائيل، وما نجم عنه من تداعيات جيو سياسية كبيرة؛ فإنّ السؤال المطروح؛ هل أدى هذ الهجوم إلى نتائج إيجابية وجيدة للقضية الفلسطينية أم أنّه كان بمثابة كارثة كبيرة عليها وعلى الفلسطينيين واستُثمر من خلال اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى أقصى مدى حتى يستكمل مشروعه بالسيطرة على فلسطين والتوسع الإقليمي؛ ناهيك عن الكلفة الإنسانية الهائلة غير المحسوبة للغزّيين وما عانوه من أهوال ومآسٍ وكوارث يشيب لها الولدان، مع آلة القتل والذبح والتجويع والتهجير؛ التي لا مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية.
بالرغم من تعدد الإجابات على السؤال وانقسام البشر بين مؤيد ومعارض؛ فإنّ الحكم – بالرغم من كل ما سبق- لا يزال مبكّراً وغير ممكن الحسم بالجواب بصورة قطعية من زاوية، ومن زاويةٍ أخرى المسائل لا تقاس في التحليل الاستراتيجي والسياسي ولا في قضايا المجتمعات والدول أيضاً بالإجابات القطعية والألوان السافرة؛ أبيض أو أسود؛ وهذا – بالمناسبة- لا ينفي أن النتائج كارثية حتى اليوم على الصعيد الإنساني والاستراتيجي والسياسي، سواء على أهل غزة أو حتى على القضية الفلسطينية بصورة عامة، لكن السؤال هو فيما لو لم يقع هجوم 7 اكتوبر؛ فما هو المسار الذي كانت تتدحرج إليه الأحداث والتطورات، بخاصة فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية؟!
عشية 7 أكتوبر كانت الحالة الاستراتيجية الفلسطينية تتسم بقدر كبير من الجمود في العملية السلمية، وتراجع كبير في وضع السلطة الفلسطينية، وبروز مجموعات مقاومة في الضفة الغربية؛ واستمرار في المشروع الإسرائيلي القائم استراتيجياً على تقليص أكبر عدد من الفلسطينيين والاستيلاء وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، بينما في غزة كانت هنالك حالة من الهدنة المؤقتة بين حماس وإسرائيل، مع حصار مطبق على القطاع واختراقات إسرائيلية مستمرة للاتفاقيات من خلال عمليات قصف واغتيال واسعة.
إقليمياً كانت هنالك حالة من التجاذبات الإقليمية بين إيران وإسرائيل، مع تراجع الدور التركي (مقارنة بمرحلة الربيع العربي)؛ وفي المقابل بالرغم من أنّ الرئيس الأميركي السابق، جو بايدين، لم يقدم تصوراً محدداً للتسوية السلمية مع الفلسطينيين، وعملياً كانت إدارته تتبنى مقاربة ترامب في «السلام الإقليمي» وهي النظرية التي تقوم على إدماج إسرائيل في المنطقة من خلال مشروعات اقتصادية إقليمية، والتعامل مع الفلسطينيين من منظور الحياة اليومية والمتطلبات الاقتصادية والمالية وتأجيل أو تجاهل قضايا الحل النهائي؛ الدولة واللاجئين والقدس والسيادة.. الخ.
ماذا لو استُكمل ذلك المسار ومضى إلى الأمام؛ كان يفترض انخراط مزيد من الدول والتعاون الاقتصادي وتحول إسرائيل إلى جزء من المنطقة، وتعريف إيران بوصفها المشكلة الأمنية الإقليمية الرئيسية، وربما ما كان يطمح إليه الإسرائيليون هو أن يكونوا شرطي المنطقة؛ وأن يكون لهم دور كبير في الأمن الإقليمي والمشروعات الاقتصادية والاستثمارية الكبرى؛ أي اختراق المنظومة الإقليمية من البوابات الاقتصادية والأمنية المتعددة.
كان من الممكن أن تتطور التوترات بين الإسرائيليين والأميركيين من جهة (بخاصة بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض) نحو الحرب، وربما بصورة أكثر ضراوة مما رأيناه، وكانت المنطقة ستشتعل بخاصة أن إيران كانت لا تزال تملك أدوات واسعة من القوى والأذرع الإقليمية، أو تحصل إيران على صفقة جديدة مع الأميركيين واليهود في التقاسم الإقليمي.
في كل الحالات فإنّ الضرر كبير على القضية الفلسطينية، سواء كانت 7 أكتوبر أم لم تكن؛ صحيح أنّ الكارثة الإنسانية في غزة منذ عامين لا تقاس ولا تقدّر بأيّ كلفة أخرى؛ لكن في المقابل فإنّ المشكلة وجوهر المشكلة أنّ المشروع الإسرائيلي، سواء كان بنيامين نتنياهو في السلطة (أو نجحت الاحتجاجات حينها في تل أبيب ضده في إسقاطه) أو غيره؛ فمن الواضح أنّ النخبة السياسية في إسرائيل اليوم، وحتى تاريخياً، لم تكن لتقبل دولة فلسطينية بالمعنى الكامل، ولا الانسحاب من أراضي الـ67، مما يعني أنّ الفلسطينيين لم يكونوا وليس الآن أيضا؛ إلا أمام خيارين؛ إما إيجاد طرق للنضال والمقاومة أو الاستسلام والقبول بالشروط الإسرائيلية، وفي نهاية اليوم لا يوجد مشروع لإسرائيل إلا تهجير الفلسطينيين!
على أكثر من صعيد يمكن أن نقارن النتائج السياسية والاستراتيجية دولياً وإقليمياً بين هذا السيناريو (ماذا لو لم يحدث 7 أكتوبر؟) وبين ما يحدث اليوم؛ فلسطينياً وإقليمياً بصورة تفصيلية حتى نتمكن من تكوين صورة أشمل.
ماذا لو لم يحدث 7 أكتوبر؟!* محمد أبو رمان
2
المقالة السابقة
