عروبة الإخباري –
يشهد الشرق الأوسط مرحلة دقيقة من التحوّلات السياسية والأمنية مع اقتراب الصراع في غزة من نهايته المحتملة. فبينما تنشغل القوى الإقليمية والدولية بمحاولات صياغة اتفاق يضع حدًّا للحرب، يجد لبنان نفسه في قلب معادلة حساسة، تتقاطع فيها مصالح متشابكة وأجندات متعارضة. إن انتهاء الحرب في غزة لن يكون حدثًا محليًا فحسب، بل محطة مفصلية قد تُعيد رسم توازنات المنطقة، ويكون للبنان فيها نصيب وافر من التداعيات — أمنية، اقتصادية، وسياسية — بحكم موقعه الجغرافي ودوره المحوري في معادلة الصراع مع إسرائيل.
في هذا السياق، يبرز السؤال الجوهري: هل سيكون انتهاء حرب غزة بداية لمرحلة استقرار نسبي في لبنان، أم مجرّد هدنة مؤقتة تُخفي تحتها توترات جديدة؟
هذا المقال يحاول مقاربة الإجابة عبر قراءة متأنية لمجمل التأثيرات المحتملة على الساحة اللبنانية، في ضوء المعطيات الراهنة والتحولات الإقليمية المقبلة.
أولاً: الأبعاد الأمنية
يشكّل الوضع الأمني في الجنوب اللبناني مرآة لما يجري في غزة. فطوال فترة الحرب، شهدت الحدود اللبنانية الإسرائيلية توتراً متصاعداً واشتباكات متقطعة، دفعت الآلاف من السكان إلى النزوح وألحقت أضرارًا بالبنية التحتية والزراعة.
انتهاء الحرب في غزة سيخفف حتماً من حدّة التوتر ويعيد شيئًا من الاستقرار إلى المناطق الحدودية. غير أن هذا الاستقرار يبقى هشًا، ما لم تُرفق الهدنة بتفاهمات واضحة حول قواعد الاشتباك وضبط الأنشطة العسكرية عبر الحدود.
ثانياً: الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية
الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني منذ سنوات من أزمة غير مسبوقة، تلقّى ضربة إضافية بفعل تداعيات الحرب في غزة. فالخوف من توسّع النزاع أدى إلى تراجع السياحة، وعرقلة النشاط التجاري، وارتفاع تكاليف النقل والتأمين.
وقف الحرب من شأنه أن يعيد بعض الأمل إلى القطاعات المتضرّرة، ويفتح الباب أمام تعافٍ تدريجي في الجنوب، خصوصًا في مجالات الزراعة، التجارة، والخدمات. كما يمكن للتهدئة أن تُعيد جذب المساعدات الدولية والاستثمارات الصغيرة نحو إعادة الإعمار والتنمية المحلية.
ثالثاً: الأبعاد السياسية
سيكون لإنهاء الحرب انعكاسات مباشرة على التوازنات السياسية في لبنان. فمن جهة، قد يجد حزب الله نفسه أمام ضغوط داخلية لتحديد موقعه في المرحلة المقبلة، خاصة إذا ارتبطت تسوية غزة بترتيبات تخصّ ضبط الحدود اللبنانية أو الحدّ من الأنشطة العسكرية.
ومن جهة أخرى، قد تستثمر الحكومة اللبنانية التهدئة لتعزيز علاقاتها مع المجتمع الدولي واستعادة الثقة الخارجية، ما قد يفتح بابًا لمساعدات مالية أو تنموية تشتدّ الحاجة إليها.
رابعاً: فرص إعادة الإعمار والتعافي
توقف العمليات العسكرية سيمنح لبنان فرصة لإعادة بناء ما دُمّر في الجنوب من منازل وبنى تحتية ومزارع. لكن تنفيذ هذه المشاريع يتطلب قدرة مالية وإدارية قد لا تتوافر للدولة اللبنانية بمفردها، ما يستدعي دعمًا دوليًا منظّمًا وخططًا شفافة تضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها.
خامساً: المخاطر والتحديات المستقبلية
رغم ما تحمله نهاية الحرب من آمال، فإنّ الطريق نحو استقرار دائم ما يزال محفوفًا بالمخاطر. فغياب اتفاق شامل وواضح بين الأطراف المعنية قد يجعل الهدنة هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة. كما أن استمرار التوتر بين إيران وإسرائيل، أو تصاعد الخلافات الداخلية اللبنانية، قد يُعيد البلاد إلى دائرة التوتر بسرعة.
إن انتهاء حرب غزة، إذا تحقق، سيُشكّل اختبارًا حقيقيًا لقدرة لبنان على تحويل الهدوء الإقليمي إلى استقرار داخلي. فبينما يحمل ذلك فرصًا لتعزيز الأمن وإنعاش الاقتصاد واستعادة الدور الدبلوماسي، تبقى النتيجة مرهونة بمدى وحدة الموقف الوطني، وقدرة الدولة على إدارة المرحلة بواقعية ومسؤولية.
فإمّا أن يكون السلام في غزة مدخلًا لاستقرار لبنان، وإمّا أن تظل البلاد أسيرة دوامة التوترات التي لا تنتهي.
