عروبة الإخباري – طلال السُّكَّرّ العدوان –
في أجواءٍ روحانيّةٍ مفعمةٍ بالنورِ والإيمان، احتضنَ معرضُ عمّان الدولي للكتاب لقاءً مميّزًا جمع القلوبَ قبلَ الأجساد، حول كتابٍ أضاء العقولَ وأنعش الأرواح: لطائفُ البيان في تفاسيرِ القرآن للدكتور مازن غانم.
لم يكنْ الحفلُ مجرّدَ توقيعٍ لكتابٍ جديد، بل كانَ مشهدًا مهيبًا من الجمالِ الإيماني، التقتْ فيه الكلمةُ بالروح، والبيانُ بدلالاتِ إعجاز القرآن، وكأنّ المكانَ كلَّه أصبحَ أنفاسًا من ذكرٍ ونور.
فالجموعُ التي ازدحمتْ حول الجناح لم تأتِ بدافعِ الفضول، بل بدافعِ الشوقِ إلى العلمِ والسكينة، إذ وجدَ كلُّ واحدٍ منهم في هذا الكتابِ ما يُوقظُ الحنينَ إلى طاعة الله، ويُعيدُ للروحِ صفاءَها المفقود.
يُقدّمُ الدكتور مازن في كتابه عملاً علميًّا وروحيًّا متفرّدًا، نسجَ فيه من جمالِ اللغةِ وعمقِ التفسيرِ ثوبًا من ضياء، جمعَ بين العقلِ والوجدان، وبين الفكرِ والإيمان.
فالقارئُ وهو يُقلّبُ صفحاتِ الكتاب، يشعرُ وكأنهُ يسيرُ في حدائقٍ من النور، تتفتّحُ فيها كلُّ آيةٍ زهرةً، وتُثمرُ كلُّ كلمةٍ معنى.
وقد عكَسَ مشهدُ التوقيعِ حقيقةً عميقة: أنّ الكلمةَ الصادقةَ تثمر طويلًا، وأنّ هذه الأمةَ ما زالتْ تملكُ قلبًا يخشعُ لذكرِ الله، وعقلًا يتأمّلُ أنوارَ القرآن.
فلم يأتِ الناسُ ليشتروا كتابًا فحسب، بل جاؤوا ليُبايعوا المعنى، وليشهدوا أنّ العلمَ إذا اقترنَ بالإخلاص، صار منبرًا من نورٍ يهدي القلوب.
في لطائف البيان، لا يُقدّمُ المؤلّفُ تفسيرًا تقليديًّا للآيات، بل يأخذُ القارئَ في رحلةٍ من التدبّر والتأمّل، تُعلّمه كيف يقرأ القرآنَ بقلبٍ خاشعٍ ولسانٍ ذائقٍ لجمالِ الرحمة.
فكلُّ صفحةٍ تُذكّرُ بأنّ التقربَ إلى الله هو أسمى مراتبِ العلم، وأنّ الكتابةَ حين تصدرُ عن شغفٍ صادقٍ، تُصبح عبادةً.
إنَّ شغفَ الدكتور مازن غانم بالقرآن لا يُعبّر عنه كبحثٍ أكاديميٍّ فقط، بل كعشقٍ روحيٍّ صافٍ يظهرُ في عباراتهِ كالنبضِ، وفي تفسيرهِ كالنور، وفي حضورهِ كالسَّكينة.
فقد أبدعَ حين جعلَ من البيانِ سلّمًا للتبيُّن، ومن اللغةِ جسرًا إلى اللطافة، ومن الحروفِ طريقًا إلى مرضاة الله.
ومن خلالِ تفسيرِه لسورٍ مثل الفاتحةِ والكهفِ ومريم، تسري أصالة هذا المشروعِ القرآنيّ المبارك، تُعلّم القلوبَ كيف تُصغي إلى كلام الله، لا إلى ضجيجِ الدنيا، وكيف ترى في كلِّ آيةٍ موطنَ طمأنينةٍ.
وهكذا تحوّلَ حفلُ التوقيعِ إلى مجلسِ ذكرٍ يفيضُ بالعطرِ القرآني، تخشعُ فيه النفوسُ قبلَ الأعين.
أما الحضورُ الكبيرُ من العلماءِ والطلبةِ والمحبّين، فكانَ شاهدًا على حاجةِ الأمّةِ إلى مثلِ هذا الخطابِ الإيمانيّ العميق، الذي يوازنُ بين الفكرِ والروح، وبين المنهجِ والعاطفة، وبين العلمِ والبيان.
لقد أكّدَ هذا اللقاءُ أنَّ القرآنَ ما زالَ يصنعُ الدهشةَ ويمنحُ الحياة لمن أرادَ الحياة.
ومن يُمسكُ بكتاب لطائف البيان، لا يُمسكُ بورقٍ مطبوعٍ فحسب، بل بمرآةٍ يرى فيها وجهَهُ يضيءُ بنورِ القرآن.
وفي الختام، نقول:
سلامٌ على كلِّ قلمٍ خطَّ بنورِ الإيمان، وعلى كلِّ فكرٍ أخلصَ في خدمةِ القرآن، وعلى كلِّ قلبٍ ما زالَ يجدُ في كلامِ الله حياةَ الروحِ وطمأنينةَ الوجود.
حينَ يخشَع القَلب ويستَنير العقل: قراءةٌ في كتابِ (لطائفِ البيانِ في تفاسيرِ القرآن) للدكتور مازن غانم
59
