المعلم هو الأساس في بناء أي وطن، وهو البداية الحقيقية لكل نهضة وتطور. في المدرسة، ومن خلال دروسه اليومية، يزرع في عقول الطلبة بذور العلم، ويغرس في قلوبهم القيم وحب الوطن، ويمنحهم الأمل في مستقبل أفضل. لذلك، لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض من دون معلم مؤمن برسالته، مخلص في عمله، وصبور في عطائه.
في الأردن، تحظى مهنة التعليم بتقدير كبير من القيادة الهاشمية، التي تنظر إلى المعلم باعتباره شريكاً أساسياً في صناعة المستقبل. جلالة الملك عبدالله الثاني يؤكد دائماً أن نهضة التعليم تبدأ من المعلم، وتنتهي بثمار عطائه في الأجيال الجديدة. ولهذا، جاءت المكارم الملكية السامية لتعبر بوضوح عن هذا التقدير، وتترجمه إلى إجراءات عملية تلمس حياة المعلمين وأسرهم بشكل مباشر.
فقد تم تخصيص قطع اراض للمعلمين بنصف السعر، وتقديم سلف طارئة لمن يحتاجها، ومضاعفة نسبة المكرمة الجامعية لأبنائهم من 5٪ إلى 10٪، بالإضافة إلى تخصيص 5٪ من منح وقروض صندوق دعم الطالب الجامعي لأبناء المعلمين. كما تمت مضاعفة عدد بعثات الحج المخصصة لوزارة التربية والتعليم من 60 إلى 120 بعثة، إلى جانب تطوير وصيانة أندية المعلمين وتحسين الخدمات فيها. هذه المبادرات لم تأت من فراغ، بل هي امتداد لنهج هاشمي طويل يقوم على دعم من يحملون رسالة التعليم، والاعتراف بدورهم المحوري في بناء الإنسان الأردني.
ولم يقتصر الاهتمام على الجانب المادي فقط، بل امتد ليشمل تطوير قدرات المعلمين ومهاراتهم.
جلالة الملكة رانيا العبدالله كانت دائماً قريبة من الميدان التربوي، وسعت من خلال مبادراتها المختلفة إلى تمكين المعلمين وتأهيلهم لمواكبة التطور السريع في أساليب التعليم والتكنولوجيا، فأطلقت عبر أكاديمية الملكة رانيا ومؤسسة التعليم لأجل التوظيف برامج تدريب نوعية تهدف إلى رفع كفاءة المعلمين، وتزويدهم بأحدث الأدوات التي تساعدهم على الإبداع في الغرفة الصفية وتحفيز التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلبة.
وعبر العقود، كان المعلم الأردني حاضراً في كل مرحلة من مراحل بناء الدولة. في القرى والبوادي والمدن، كان هو من يفتح باب المدرسة كل صباح، ويغرس في طلابه حب الوطن والانتماء. كثيرون من قادة المجتمع والمسؤولين اليوم هم أبناء معلمين، تربوا على أيديهم وتعلموا منهم قيم الجد والاحترام والإصرار على النجاح.
ورغم التحديات التي تواجه المعلمين احياناً ، من ضغوط العمل وكثرة المسؤوليات، فإنهم يواصلون العطاء بإخلاص. نراهم يبقون بعد الدوام لمساعدة الطلاب، ويشاركون في النشاطات المدرسية، ويقودون مبادرات داخل مجتمعاتهم، دون أن ينتظروا مقابل سوى أن يروا أبناءهم الطلبة ناجحين ومتميزين.
المعلم في الأردن لا يعلّم فقط القراءة والكتابة، بل يزرع في نفوس طلابه حب الوطن والاعتزاز بالهوية الأردنية. هو من يعلّمهم أن الأردن بيتهم الكبير، وأن قيم الشهامة والكرم والوفاء ليست دروسًا تُحفظ، بل تُعاش كل يوم. ومع انطلاق مسارات التحديث في الأردن، يبقى المعلم شريك رئيسي في هذه المسيرة، لأنه يقود التغيير من داخل الصف ويغرس في الأجيال القادمة روح الإبداع والمسؤولية.
ويأتي اليوم العالمي للمعلم كتعبير رمزي جميل عن الامتنان والتقدير لكل المعلمين والمعلمات، فهو يوم نقف فيه جميعاً لنقول: شكرا من القلب لكل من حمل القلم، وغرس الأمل، وصبر على التحديات ليصنع الفرق في حياة أجيال كاملة. المعلم ليس فقط من يشرح الدرس، بل هو من يوجه، ويرشد، ويزرع القيم، ويمنح الأجيال البوصلة التي تحدد لهم الطريق في عالم سريع التغير.
شخصيا، ما زلت أتذكر معلمتي الأولى التي غرست فيّ حب العلم، ومعلمي الذي علمني أن النجاح لا يأتي بسهولة، بل بالإصرار والمثابرة. هذه الذكريات لا تنسى ، لأنها شكلت شخصياتنا، وجعلتنا نؤمن بقوة رسالة التعليم.
كل الشكر والاحترام لكل معلم ومعلمة أعطوا من وقتهم وجهدهم دون تردد، وأمنوا برسالتهم النبيلة، وشاركوا في بناء وطننا بعقول أبنائه وقلوبهم. أنتم نبض المدرسة، وروح المجتمع، وصنّاع الأمل الحقيقيون.
