عروبة الإخباري –
حين تتفتح صفحات رواية “أنا مريم”، تشعر وكأنك تدخل عالمًا يئن بالأحاسيس، عالم تتراقص فيه المشاعر على أوتار الكلمات، عالم تنبض فيه الحياة في تفاصيلها الدقيقة، عالم يمزج بين الصمود والانكسار، بين الألم والخفاء، بين الصمت والصراخ الداخلي للروح، فكل صفحة هنا ليست مجرد حروف، بل نبضات قلب، أنفاس تتسلل إلى أعماقك، وتجعل روحك تشعر بكل كلمة قبل أن يفهم عقلك معناها.
عنان المحروس ليست مجرد كاتبة، بل شاعرة، ورائعة في التوغل داخل النفس الإنسانية، تحفر بين المشاعر بصبر، تصوغ الألم والأمل في قالب أدبي يجعل القارئ يتنفس مع الشخصيات ويعيش تفاصيل حياتهم كما لو كانت جزءًا من كيانه. في “أنا مريم”، كل لحظة، كل صرخة مكتومة، كل دمعة، كل ابتسامة صغيرة، كل خفقة قلب، تُرسم ببراعة تجعل القارئ يندمج في التجربة، ويشعر بأن مريم ليست شخصية خيالية، بل روح حقيقية تسكن الحياة وتصارع صعابها.
ما يميز أعمال عنان المحروس بشكل عام، وخاصة هذه الرواية، هو قدرتها الفائقة على مزج الصدق العاطفي بالعمق النفسي، فمريم ليست مجرد امرأة تواجه المصاعب، بل هي كل امرأة تكافح في صمت، كل قلب ينزف بصمت، كل حلم يوشك على الانكسار ولكنه يجد القوة في الأعماق ليواصل النهوض. هذه الرواية تجعل القارئ يرى ذاته في كل موقف، يشعر بالألم والرجاء، بالغضب والشجاعة، ويخرج من القراءة مفعمًا بشعور بأن الحياة، رغم قسوتها، تحمل بصيصًا من النور الذي لا ينطفئ.
لغة عنان المحروس شاعرية لكنها حقيقية، لا تتخفى وراء زخارف فارغة، بل تصنع من الكلمات أنفاسًا وروحًا، من الحروف نبضًا، ومن الجمل مشاعر صافية تتسرب إلى القلب. إنها لغة تشبه صدى الحياة، لغة لا تُقرأ فحسب، بل تُعاش وتشعر بها في كل خلية من جسدك.
و روايتها “أنا مريم” هي تجربة إنسانية كاملة، رحلة داخل النفس البشرية، دعوة لفهم الألم والصبر والحب والكرامة. هذه الرواية تبكيك وتفرحك، تهز مشاعرك وتجعل قلبك يسبح في بحر من التعاطف والتأمل، لتخرج منها شخصًا أكثر وعيًا بعظمة القوة الداخلية للإنسان، وأهمية الصمود أمام قسوة الحياة.
فعنان، تؤكد في كل عمل لها، أن الأدب ليس مجرد سرد للأحداث، بل فن الحياة بمعناها الأسمى، فن القدرة على لمس القلوب، فن الحديث عن الإنسان بصدق، وفن أن تتحول الكلمة إلى جسد نابض، إلى قلب ينبض في قلب كل قارئ، إلى شعلة من الحب والأمل والتحدي.
عنان المحروس، هي صوت الإنسانية، وهي المرآة التي تعكس مشاعرنا، وهي الشاعرة التي تعلمنا أن الألم يمكن أن يكون جسرًا للجمال، وأن الحياة مهما كانت قاسية، تظل ممتلئة بالحب والأمل، طالما هناك من يكتبها بصدقٍ وروحٍ صافية.

