الفارق بين التفاؤل والتشاؤم كبير، لكنه صنع هجينا سماه المراقبون تندرا أو تنمرا، جماعة «المتشائلين»! بالإمكان تفهم التسمية جراء الإفشال والإخفاق المتكرر لصنع السلام ووقف حروب الشرق الأوسط التي اندلعت على امتداد قرن ونيّف بشكل مباشر وغير مباشر، جراء الصراع على فلسطين الانتداب البريطاني.
يعلم الناس في قرارة أنفسهم وليس فقط المتخصصين بتحليل النزاعات وتفاديها وحلها كاختصاص في علم الاجتماع السياسي، يعلمون أن جذور ذلك الصراع لا ترجع إلى أول إحباط لرؤية الدولتين -سنة 1947 كحل للصراع وإنقاذا للنفس البشرية ومقدسات أحفاد إبراهيم عليه السلام. هذا الصراع السياسي العسكري وشبه العسكري الدامي، له جذور روحية وتاريخية، وروافد وروافع اقتصادية اجتماعية وأخرى ثقافية، فضلا عن المحيطين الإقليمي والدولي لموازين القوى العالمية ومواقف مراكز النفوذ من طرفي أو بالأحرى أطراف الصراع.
أما وقد تقبّل الله -رب السلام سبحانه- صلوات ملايين البشر، وليس فقط تظاهراتهم حول العالم، في وقف حرب غزة مساء الجمعة-ليلة السبت، فإن الحذر مطلوب من تلك الفئة التي صار «تشاؤلها» مرَضِيّا لا يخلو لدى البعض من «التربّح غير المشروع». كما علت الأصوات قبل عامين، داعية بأن بعض الطروحات -وعلى رجاحتها- «ليس وقتها»، فإنه الآن، لا صوت يعلو على الأكثر تضررا من استمرار الحرب، وهم المدنيون في غزة -في الخيام وبين الركام- وأهالي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الذين ينتظرون بألم وأمل لم شملهم بأحبائهم سواء أكانوا في قبضة إسرائيل في السجون أو في أنفاق حماس.
الأمل مرجو بقادة المجتمع من صناع الرأي والأهم المزاج العام على التركيز على ما هو أهم وهو وقف الحرب ونجاة غزة أكبر مدن القطاع من مقتلة كبرى كادت أن تنفّذ على الهواء مباشرة بعد السادسة من مساء الأحد بحسب التوقيت المحلي في واشنطن، وتحذير ترمب الأخير السابق لإعلان حماس موافقتها على تسليم جميع الرهائن الأحياء والأموات دفعة واحدة، وترحيبها -نعم ترحيبها- بخطة ترمب الذي قام بدوره بشكر الأردن والسعودية ومصر وقطر وتركيا على دور قادتها العظيم، في صنع هذا «اليوم الخاص والرائع والعظيم» بحسب الكلمة المقتضبة المسجلة التي بثها البيت الأبيض مساء الجمعة.
الأهوال التي شهدها القطاع والمخاطر التي تربّصت بالأمن القومي للجوار خاصة الأردن ومصر، إضافة إلى التصعيد في الضفة الغربية، كل ذلك يدعو إلى الإسراع في سد الثغرات التي قد يتسلل منها الراغبون في انهيار وقف إطلاق النار لأي أجندات خاصة، دأبت على «التخادم» فيما بينها، حتى ولو بدت صادرة عن أقصى المتشددين والمتطرفين من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، أو من يقتاتوا على كارثة السابع من أكتوبر 2023، من إيران وأدواتها المليشياوية وفلول جماعة «الإخوان المسلمين» المنحلة والمحظورة، واليسار المتحالف معها في عدة ساحات من بينها أوروبا التي شهدت مؤخرا عملية إرهابية استهدفت كنيسا في مانشستر بإنجلترا في عيد الغفران «يوم كيبور»، المرتبط في ذهن المراقبين أيضا ب «طوفان الأقصى» التي تفاخَر بها في منشور لم تحظره السلطات البريطانية، والد المجرم «جهاد الشامي» البريطاني من أصل سوري. «جهاد» الذي دهس بسيارته وطعن المصلين اليهود قبل أن ترديه قوات مكافحة الإرهاب قتيلا، كان قد خرج بكفالة مالية من قضية اغتصاب!
من حق الغزيين -أهلنا في غزة هاشم- ومن حق كل من تضرروا من الجولة الأخيرة من الحرب على امتداد عامين، من حقهم التشبّث بالبقاء والتطلّع إلى السلام وهو الهدف الذي أعلنه ترمب بدعم عربي إسلامي أوروبي غير مسبوق. المرحلة الانتقالية للعبور بالجميع إلى السلام ليست سهلة وهي في غاية التعقيد لتعدد مراكز قوى المناهضين و»المتشائلين»!
التحصين من «المتشائلين»!* بشار جرار
2
