احتفلت الجمعية الخيرية الشركسية، بإشهار رواية «شركيسيا: قصة حب وصلاة الغائب»، للكاتبة نارين طلعت جتأ- شقم، برعاية رئيس الجمعية المهندس إبراهيم اسحاقات، وجمهور من المثقفين والإعلاميين.
شارك في حفل الإشهار خبير علم الاجتماع الأستاذ الدكتور مجدالدين خمش، والمؤرخة الأديبة الدكتوره هند أبو الشعر، والكاتب ناشر الروايه جهاد أبو حشيش، فيما أدار الحفل الروائي محمد أزوقة.
أسئلة المعرفة
وكشهادة إبداعيّة، قالت مؤلفة الرواية الكاتبة نرين طلعت إنّ عالم الرواية كان بالنسبة لها عالماً موازياً يحيا بجانب عالمها الواقعي، ويجري في روحها وذهنها، كما أنّ مادّة هذا العالم هي الذكريات والمواقفُ والقصص التي مرت عليها، أمّا الطاقة المحركة له فهي الأسئلة البسيطة التي بدأت معها منذ الطفولة واستمرت عبر سنين حياتها، وكاشفت الكاتبة بأهمية الأسئلة التي لم تقبل بالإجابات الجاهزة المصنعة المُتكلفة، والتي كانت عاجزة تماما عن تفسير ما تودّ معرفته.
وقالت إنّ والدها كان منفتحاً فكريّاً، فلم يعترض أو يرفض أسئلتها، وقد علّمتها تصويباته صياغة الأسئلة والتشوق للمعرفة والوصول للحقيقة، مؤكدةً أنّ رحلة البحث عن الأجوابة كانت ممتعة جدًّا، متحدثةً عن أسئلة تتعلق بأمور جوهرية في الهوية الشركسية والوعي بها، من خلال التاريخ وأحداثه وتفاعل المجتمعات الشركسية معها، لكنّها اكتشفت في نهاية الرواية أن تلك الأسئلة وتلك التجارب تتعلق بكل إنسان وبكل المجتمعات وليس فقط بالشركس والمجتمعات الشركسية، كما أكدت أهمية حضور التاريخ في روايتها، باعتباره وعيًا بالهوية.
وفي كلمته حول الرواية، الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، قال أبو حشيش إنّ نارين طلعت، ليستْ كاتبةً مكرسةً، مستدركًا: «ولم أكنْ أتخيلُ وهي تتحدثُ عن عملِها الأول أنّني أمام عملٍ بهذه الضخامة وبهذا الغنى، وبتلكَ السلاسةِ التي لا تُعيقُها المراجعُ المستخدمة، ولربَّما أدركت الكاتبة مسبقًا، أنَّ خلطة السرد التاريخيّة التي حاكتْ بها الرواية، ستسببُ الكثير من العطشِ للقارئِ، ممّا دفعَها لفرد الكثير من الينابيع بين الفينة والفينة لكي يظلَّ قادرًا على الالتحام بالنصّ وعدم الانفكاك منه حتى النهاية».
وتابع أبو حشيش أنّه وبالرغم من سلاسة السرد الذي يأسرُكَ لتبقى، إلا أنَّ الحكاياتِ التي تتوالَد الأسئلةُ من أصابعِ مفرداتِها، تُدهشُكَ، وتثيرُ لديك أسئلتَكَ التي لطالما تجاوزتها لكي لا تصطدم بالهويات المبعثرة والمتخالطة/ المتشظية داخلَك.
ورأى أنّ التعلّق بالتاريخ هو نوعٌ من بحثِ الإنسان المرتبط بالعقيدة أو الهُويّة عن شيءٍ يُمكنُه من مواجهة القلق الوجوديّ. وفي شركيسيا نرى أنَّ تغلغل التاريخ في مسارات النصّ ما هو إلا محاولة للبحث عن ملامح الهوية الفرعية، ففي الوقت الذي تتعرَّضُ فيه الهويَّة الجمعيَّة، الهوية الأمُّ/الحاضنة، للتشظي، تبرز الحاجة إلى ما يبرِّر قدرتَك على مواجهَة التحدِّيات، ويمنحُك شاطئاً محتملاً.
وأكّد أبو حشيش أنّ رواية شركيسيا كما يراها، ليست مجرَّد نصٍّ سرديٍّ، قدرَ ما هي وثيقة، تتضح فيها القدرة على التعامل مع المتعدد، فلا وجود للواحديَّة الملغية للآخر في مساحاتِها. وهي وثيقة تهتمّ باندماج المتماثل وجذبِه إلى التوحُّد في أتون الهويَّة الشركسية وملامحها الخاصّة، دونَ مغادرة القدرة على التحاور مع الهويات الأخرى.
وفي ورقتها بعنوان » تجليات الرواية الشركسية: نرين طلعت نموذجًا»، أضاءت الدكتورة هند أبو الشعر على علاقتها باللغة الشركسيّة، وأنغام الأكورديون الذي أحضره شراكسة وادي السير، فكان لها أصدقاؤها من بنات وأبناء الشراكسة، إذ جعلتها هذه العلاقات الطيبة تهتم في دراستها لتاريخ الأردن وبلاد الشام، بتاريخ المهجرّين من الشراكسة إلى الأردن، مضيفةً أنّها في دراستها لتاريخ الأردن في العهد العثماني، اطلعت على أول سجلات الطابو العثمانية التي فوضت فيها الدولة للشراكسة الأوائل أراضي وادي السير والمهاجرين وغيرها، ومن خلال أول ?جل شرعي لدينا لعمان سنة 1901 م، تعرفت أبو الشعر إلى أوائل الشراكسة، خاصة النساء الشركسيات، وتحدثت عن العادات والتراث والبيوت والرسائل العلمية والبحوث التي تناولت حضورهم فيما بعد، وكذلك حضور الفعاليات الشركسية في الدولة الأردنية، وإسهامهم في بناء إمارة شرق الأردن.
وحول الرواية، قالت أبو الشعر إنّه لا يمكن لقارئ هذه الرواية أن يكون حياديا، إذ سيشتبك مع الشخصيات والآراء والتحليلات، ولا يمكنه أن يمر على الصفحات بلا مشاعر، وسيتوقف عند كل الصفحات، وعند الآراء الحادة التي مررتها الروائية من خلال شخصياتها، وسيلاحظ أن الروائية تتمتع بثقافة عميقة ومتجددة، وهو ما يبدو للقارئ في كل جزئيات الرواية، كما تتطلب أعمالها قارئا مثقفا بدرجة عالية، فالرواية تتناول مجتمعا شركسيا محدودا في مرحلة زمنية صعبة في أواخر العهد العثماني، والقارئ العربي يشعر بحاجته للهوامش التي تشرح له كل ما يمر?به، وهذا ليس عيبا في الرواية، فهوامش الرواية أساسية في استمرار القارئ وفهمه. كما رأت أبو الشعر أنّ هناك فارقًا ملموسًا في مادة المجلدات الثلاث للرواية، فقارئ المجلد الأول يستمتع بحضور واف لكل الشخصيات، ولكنه يفاجأ في المجلد الثاني بحضور طاغ للباحثة، فهي التي تتحدث من خلال الشخصيات، وتحلل، وتستنتج، وتشرح، وكأنها محاضرة راقية في جامعة، وهو ما يجعل الرواية أقرب للبحث الأكاديمي الغني، أما في المجلد الثالث فتعود الروائية لمقعد الكاتبة الموجهة الذكية. ونصحت أبو الشعر باختزال عشرات الصفحات في المجلد الثاني، وقالت? «ومع أنّ المادة رائعة وتحمل تحليلا راقيا وذكيا، لكنها تصلح لبحث ينشر في مجلة محكمة، وبصدق، فقد أعجبت بكل ما ورد على لسان بشماف، واقتنعت بأفكاره، لكنّ الروائية نرين هي التي تتحدث باستفاضة من خلاله، وبثقافة لافتة وعميقة، وهذا غير مقبول في عمل روائي حسبما أفهم، إذ لم تستطع الباحثة كبح جماح رغبتها في الحديث المباشر».
فكر المرحلة
ولفتت أبو الشعر إلى أهمية الانتباه إلى فنيّة العمل الروائي، مضيفةً أنّ الشخصيات في هذه الرواية ناضجة، وأدوارها مدروسة، والبناء التراكمي لنموها ممتاز، لولا تدخل الروائية الواضح، وقد أحسنت الروائية اختيار الفترة الزمنية بذكاء، في نهاية الحرب العالمية الأولى، ودخول جيش الشمال بقيادة فيصل الأول إلى دمشق، وبعده عقد مؤتمر الصلح عام 1919 م، وكان تحريك الأحداث في هذا الإطار الزمني المفصلي في بلاد الشام متميزا في إطار مجتمع شركسي محدود بقرية شركسية، وكل ما ورد من أحداث مبرّر، ومتداخل، ومقنع.
وقالت أبو الشعر إنّ الروائية نجحت بتقديم فكر هذه المرحلة بامتياز، وجعلت الإمام حاتوقه إدريس ( الفصل الثالث من المجلد الأول ) يقود فكر المصلين، وأبرزت من خلال اجتماع الأهالي في الجامع ما يدور في الاذهان من تساؤلات المرحلة، وقد طرحت الأسئلة والأفكار وأبرزت دور الإمام المتنور في ذلك، واتضح تناقض الآراء بشأن الدولة العثمانية التي كانت تجند الرعايا من كل الجنسيات في الإمبراطورية، ويبدو من خلال الحوار بين المصلين تضارب الآراء في مصداقية الحروب التي تخوضها الدولة العثمانية وتجند فيها الشباب من الشراكسة ومن غيرهم،?والذين يموتون من أجل أهداف هذه الدولة.
وأكدت أبو الشعر أنّ الرواية أنصفت النارتيين وتراثهم الراقي، وكل ما ورد من تفاصيل يؤكد أننا أمام حضارة متجذرة، ولها ضوابط أخلاقية وقواعد يلتزم بها الشعب، وهي قواعد تشكلت قبل أن يدخل النارتيون في الدين المسيحي، ومع أن الرواية كررت هذه القواعد كثيرا، لكنها هي التي تدير مجتمع الشراكسة، وللحق، فإن الالتزام بهذه القواعد قائم في البيوت الشركسية، ويميزها عن غيرها من البيوت، ومع أنّ هذه المنظومة الأخلاقية تعود إلى ما قبل الميلاد، لكنها ما زالت الناظم للشخصية الشركسية، أينما كان الشركسي، وتحت ظل أي دولة.
وقالت أبو الشعر إنّ سيرة آل جانوروقه التي تختصرها الشخصية الرئيسة جان، تستحق السرد الروائي، وقد أبدعت الروائية بتقديمها بكل التفاصيل في الجزأين الأول والثالث، ومع أنها سيرة لعائلة واحدة، لكن الروائية نجحت بتقديم تفاصيل وافية، فقدمت من خلاله المكان والزمان، وجعلت بطولة جان لا تكتمل إلا من خلال كل الشخصيات القريبة والبعيدة، وكانت علاقتها بعبدالرحمن جوهر الرواية، وجاءت أحداث انفصالهما غير مقبولة، لكن الروائية أنهت حياة عبدالرحمن بطريقة فاجعة، وأنهت معها الرواية بلا تفاصيل، علما بأنها كانت تقدم تفاصيل وافية لك? حدث في روايتها، ورغم أنّ النهاية كانت فاجعة للقارئ، لكنها تركت فجوة في تاريخ جان، ففي مطلع الرواية تجلس على عتبة بيت آل جانوروقه، وتستضيف الطفلة التي ستكون هي الروائية وهي نرين طلعت، والتي ستروي بهذا الثراء سيرة القرية الشركسية في أواخر العهد العثماني من خلال سيرة جان.
ورأت الدكتورة أبو الشعر أنّ نرين طلعت المعروفة في عالم المقالات والإذاعة والصحافة، هي الآن بعد هذا العمل روائية وصلت العالمية، فهذه الخصوصية في عملها تجعل روايتها حالة مميزة تستحق أن تحول لعمل درامي كبير، ناصحةً بتحويل هذه الرسائل الذكية من تحليل وتفسير واستعراض للتاريخ إلى كتاب مستقل وبلغة البحث التاريخي، عندها سيكتمل العمل الروائي، ويصل الدرجة الفنية المطلوبة.
الخلفية التاريخية
وفي ورقته، قال الدكتور مجدالدين خمش إنّ أحداث الرواية الرئيسية تدور في قرية زراعية شركسية من قرى بلاد الشام قريبة من الحدود التركية، قد يكون تم إنشاؤها بدعم من الدولة العثمانية قبيل انتهاء الحرب الشركسية- الروسية في القفقاس في العام 1864، كما لا تذكر الراوية اسم القرية، مما يعطي الانطباع أنها نموذج لقرىً عديدة أخرى في المنطقة. وبالرغم من عزلة القرية جغرافيًّا واستقلالها اقتصاديًا إلا أنها وسكانها كانوا على تماس مباشر وغير مباشر مع القرى المجاورة، ومع جبهات القتال في القفقاس، وكانت الحرب ضد القوات القيصرية ?لروسية لا تزال مستمرة. ومن ثم مع شركيسيا التي بدأت مرحلة تاريخية جديدة من تاريخها بعد انتهاء الحرب الشركسية- الروسية بخسارة الشركس للحرب، وهجرة أعداد كبيرة منهم إلى تركيا والشام، والأردن، وفلسطين بتشجيع من الدولة العثمانية حليفتهم غير المظفّرة في تلك الحرب. وقد أنشأوا في هذه المناطق قرىً زراعية مكتفية ذاتيًا، وتم استقبالهم بإيجابية من قبل العشائر البدوية العربية في هذه المناطق، وأقاموا علاقات وتحالفات عشائرية مع هذه القبائل التي كانت تدين بشكل من أشكال الولاء للدولة العثمانية، في الأردن بشكل خاص، والطوائف ?لمسيحية والأرمنية، والأسر الشاميّة والكردية، وغيرهم.
الحبكة والتفاصيل
وتحدث خمش عن عنوان الرواية، كعتبة للنص تشي بالمضمون الذي يشير إلى قصة الحب على المستوى الشخصي وعلى المستوى القومي؛ فعلى المستوى الشخصي قصة الحب التي جمعت جان بطلة الرواية مع الشاب عبدالرحمن، العصامي صاحب الأخلاق الطيبة، وكلمات الغزل الرقيقة، البريئة، إذ تصورهم الراوية وهم يعيشون سعادة اللقاء، وبراءة العاطفة، ويتعاهدون على الوفاء بعد الزواج وتكوين أسرة سعيدة في الجزء الثاني من الرواية. لكن، وفجأة نتفاجأ بحبكة روائية جديدة، مأساوية حزينة في الجزء الثالث من الرواية. فعلى إثر وفاة أخت عبدالرحمن التي كانت تعيش ?ي قرية مجاورة، في حادث مؤسف، وتيتّم أطفالها تتبدل أحواله النفسية، ويشعر أن من واجبه الاعتناء بأطفالها بعد وفاتها. كما يقع أسيرًا لفكرة أنّ جان يجب ألا تعاني معه في ظروفه الجديدة، فهي تستحق حياة أفضل وأجمل مما يمكن له توفيرها، فيقرّر أن ينفصل عنها. وحين يخبرها بذلك تتجلد بشجاعة، وتحاول التمسك بأحلامهما معًا، لكنه لا يستجيب، ويقع فريسة لاكتئاب شديد. كما تتعرض جان لمعاناة نفسية عميقة تعبّر عنها في أحلامها، وكوابيسها المتكررة أكثر مما تعبّر عنها في حياتها الواعية. وتتبدى لها ملامح ضبابية مبهمة لمستقبل حزين مأس?وي في نهاية الجزء الثالث حين يتعرض عبدالرحمن لرصاصة مسدس بدون قصد، ويموت وهو مغطى بالوشاح الذي أُهدي له من جان. أما على المستوى القومي فالحب والتكريم، وصلاة الغائب مستمرة مستدامة للأجداد الذين قاتلوا القوات الغازية لبلادهم؛ وكانوا ينتصرون حينًا، ويخسرون أحيانًا كثيرة، لكنهم في النهاية خسروا الحرب، وهاجر الملايين منهم إلى خارج شيركيسيا. وتمتد صلاة الغائب، وتتسع، كما أنّ قصة الحب الكبيرة المستدامة بالنسبة للجميع من شتى المنابت والأصول هي للأردن، الوطن الغالي بقيادته الهاشمية الحكيمة.
وبعد أكثر من نصف قرن من إنشاء هذه القرية الشركسية بقي أهلها وهم يتابعون أخبار الحرب العالمية الأولى وتفكك مناطق الدولة العثمانية يترحمون على الأجداد الذين استشهدوا في حربهم مع روسيا القيصرية، ويتابعون أخبار أقاربهم، وشيركيسيا على أعتاب تحوّلات سياسية عميقة تحققت بعد العام 1917.
عمل موسوعي
ووصف خمش الرواية، بأنّها موسوعية، إذ تتكون من ثلاثة أجزاء بمجموع 700 صفحة تقريبا، كما أنّها موسوعية أيضا من حيث أطر السرد الروائي التي جاءت واسعة، متنوعة، وممتدة عبر الزمان والمكان الروائي. وحيث أنّ الحبكة الرئيسية في الرواية تتعلق بالهُوية والتراث وآليات المحافظ عليهما، فقد قامت الراوية بتتبع تراث الماضي الشركسي وأساطيرهم لعدة قرون قبل الميلاد موثّقة الغزوات والحروب مع قبائل الخزر، والفرس، والفايكنج، والسلاف، وتحالفهم مع البيزنطيين في هذه الغزوات والحروب حيث تمكنوا من الانتصار على قبائل الخزر، وصد غزوات ا?قبائل الأخرى. ثم في قرون لاحقة تصدوا لغزوات التتر والمغول، الذين انهزموا من مصر وبلاد الشام بجهود الجيوش العربية والإسلامية بقيادة المماليك الشراكسة وعلى رأسهم السلطان الشركسي قطز، والسلطان الظاهر بيبرس في المعركة المشهورة » عين جالوت»، ثم تحالفهم مع العثمانيين ودخولهم في حرب غير متكافئة ضد روسيا القيصرية التي هاجمت مناطقهم.
كما تمتد بيئات السرد الروائي إلى المستقبل بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حيث تتذاكر الشخصيات ضمن إطار الرواية مآثر الأجداد وتضحياتهم، وتتحاور هذه الشخصيات حول المستقبل والتوجه لحصول الشركس في شركيسيا على الحكم الذاتي. ويبرز من بين هذه الشخصيات متنورون كثر يبشرون بالتقدم على النمط الأوروبي من خلال العمل والإنتاج والتصنيع، وأنماط الإدارة السياسية الديمقراطية، وهي رؤية التقدم التي تبناها الثوار الروس لكن مع برامج اشتراكية تركّز على العدالة، والحرية، والمساواة، مذكّرين أنفسهم أن هذه الأنماط تتشابة مع ترتيبات «الخاسة»، أو مجلس الحكماء الشركسي الذي يدير شؤون القرية، والقرى بشكل عام بعدالة وحكمة.
وتتحاور الشخصيات بحرية تتيحها الروائية نرمين، في الخاسة، وفي المسجد، والبيوت، وتتوافق على قيم وسلوكيات إتقان العمل والإخلاص فيه، والأمانة والتعاون، في قرى الشتات في المهجر، وقد أصبحت هذه القرى وطنًا جديدًا لهم. كما يتوافقون على الانتماء والولاء للنظام السياسي القائم، واستعدادهم للعمل في خدمته بإخلاص مع القيام بالمحافظة على التراث الشركسي والهُوية الشركسية النابعة عنه.
وعلى امتداد مئات الصفحات تعرض الراوية آليات وسلوكيات المحافظة على التراث، خصوصًا اللغة الشركسية، والقيم النبيلة، وقيم الفروسية والشهامة، والموسيقى والرقص الشركسي وبروتوكولاته، والأغاني التراثية والروايات الشفهية عن الأجداد في شركيسيا وفي قرى المهجر، الوطن الجديد.