تسعى الولايات المتحدة إلى استثمار نتائج المواجهة العسكرية الأخيرة التي استمرت 12 يومًا ضد إيران وحلفائها، في إطار استراتيجية أوسع لتقليص نفوذ طهران في المنطقة، لا سيما في العراق، حيث تشكل ميليشيات “الحشد الشعبي” أحد أبرز أدوات التأثير الإيراني.
وفي هذا السياق، تواجه حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ضغوطاً متصاعدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تدفع باتجاه إعادة النظر في علاقة بغداد بتلك الميليشيات، سواء على مستوى الدعم المالي أو السياسي. وتتمثل إحدى أبرز أدوات الضغط في عرقلة صرف رواتب أكثر من 250 ألف مقاتل في صفوف الحشد، وهو ما يضع السوداني أمام معادلة صعبة: إما التجاوب مع مطالب واشنطن، أو المحافظة على توازن التحالفات الداخلية التي تهيمن عليها أطراف مقربة من طهران.
على عكس الحكومات العراقية السابقة التي كانت تمارس نوعاً من المراوغة في التعامل مع واشنطن، تبدو إدارة ترامب أكثر صرامة في مراقبة أداء حكومة السوداني، ولا تتوانى عن اتهامها علنًا بالخضوع للأجندة الإيرانية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية. ويتخوف مراقبون من أن التلكؤ في اتخاذ إجراءات جدية ضد الحشد قد يعرقل مساعي السوداني لترميم العلاقة مع واشنطن، بما في ذلك تأمين زيارة رسمية للولايات المتحدة ما تزال معلقة رغم أهميتها.
الضغوط الأميركية لا تقتصر على الجانب السياسي، بل تشمل أدوات مالية ومصرفية. فقد أشارت مصادر حكومية وبرلمانية عراقية إلى أن واشنطن مارست ضغوطاً مباشرة على شركة “كي كارد” ومصرف الرافدين لمنع صرف رواتب الحشد، مهددة بفرض عقوبات في حال مخالفة التعليمات. وقد ألقت الحكومة العراقية باللوم على هذه التدخلات الخارجية، مؤكدة أن تأخير الرواتب ليس قرارًا داخليًا.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تمثل مجرد بداية في حملة أميركية أوسع تستهدف تجفيف منابع تمويل الميليشيات، وحرمانها من الموارد التي تستخدمها في التسلّح، واستقطاب المجندين الجدد، وتمويل الشبكات المسلحة الموالية لطهران. ويعتبر هذا الملف اختباراً حقيقياً لعلاقة حكومة السوداني بالإدارة الأميركية، التي قد تعيد تقييم هذه العلاقة في حال استمرار الحكومة في التلكؤ بشأن مستقبل الحشد.
في سياق موازٍ، وبالتزامن مع استهداف واشنطن للقدرات النووية والعسكرية الإيرانية وضرب أذرعها الإقليمية مثل “حماس” و”حزب الله”، يُتوقع أن تواصل الإدارة الأميركية تكثيف الضغوط على العراق من خلال تشديد الرقابة المالية والمصرفية، بالتعاون مع البنك المركزي العراقي، لمنع تدفق الأموال إلى إيران وميليشياتها.
وفي إطار التصعيد الأميركي، طالب نائبان جمهوريان في الكونغرس، جو ويلسون وغريغ ستيوب، بإعادة تقييم شاملة للعلاقات مع العراق، متهمين حكومته بأنها “تابعة لطهران” وتحولت إلى “أداة بيد إيران”.
وتأتي هذه التطورات في وقت حساس، حيث تقترب ولاية حكومة السوداني من نهايتها، مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر المقبل. ويخشى مراقبون من أن تؤدي هذه الضغوط إلى زعزعة الاستقرار السياسي والاقتصادي، خصوصًا إذا ما تطورت إلى عقوبات مباشرة قد تطال الحكومة أو جهات مالية عراقية.
من جانبه، اتهم النائب العراقي معين الكاظمي، عضو اللجنة المالية، الولايات المتحدة بممارسة ضغوط اقتصادية مباشرة على الحكومة والبنك المركزي، وهو ما أدى إلى تعطيل صرف رواتب الحشد. كما حمّل القيادي في تحالف الأنبار المتحد، محمد الدليمي، واشنطن مسؤولية إيقاف بطاقات “كي كارد” الخاصة بمنتسبي الحشد في عموم العراق.
ورداً على هذه الأزمة، أعلنت هيئة الحشد الشعبي أنها شرعت بطباعة بطاقات جديدة بعيدًا عن مصرف الرافدين، مؤكدة أن الرواتب سيتم صرفها في منتصف الأسبوع.
أما الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى الشيعية الموالية لإيران، فقد أشار إلى احتمال وجود ضغوط داخلية وخارجية لاستهداف الحشد الشعبي، داعياً إلى كشف الحقائق للرأي العام، والتصدي لأي محاولات لعرقلة دعم مقاتلي الحشد.