كتب سلطان الحطاب –
«يا شادي» أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وآخر يابسات».
ماذا نقول عن العقبة التي شهدت في الفترة الماضية حالة من الارتجال والتعويم في كثير من جوانب العمل فيها حتى اصابها ماقصدناه من عبرة في نص الاية…
كانت الفكرة التي دشنها الملك عبد الله الثاني في تأسيس العقبة الاقتصادية الخاصة، في بعدها المؤسسي فكرة رائدة، ورغم وضوح الفكرة في ذهن الملك، الذي راهن عليها وقدمها كفكرة جربتها دول عديدة، حين بين أنه لم يخترع الدولاب ولا جاء بحجر الفلاسفة أو نظرية أرخميدس، ولكنه أراد إطلاق العقول الأردنية لتفكر، وان يكون تفكيرها خارج الصندوق، فيه إبداع وعطاء وعمل، وقد وفر للعقبة في السنوات الأولى من المشروع الذي جرى تقسيمه الى مراحل ليسهل انفاذه.
وقد كنا حضرنا مبتهجين ومرحبين الاحتفال بوضع حجر الأساس عام 2001، في فندق الموفنبك ومنطقة المطل في اعلى الجبل.
وأقمنا ومجموعة من الشخصيات المعنية (جمعية اصدقاء العقبة) التي حاولت أن تعمل وأن تبشر قبل أن تجمد وتحل ويعود المؤسسون الى بيوتهم.
نعم كان هناك تيار شد عكسي أوهن الفكرة وأراد محاصرتها والنيل منها والتشكيك فيها، وحين تغيرت حكومة علي أبو الراغب، كان المشروع بعده قد اصيب، وأذكر أنني في الرأي، عوقبت حتى لا أكتب عن العقبة لشدة حماسي للمشروع، وتوقفت عن الكتابة لأيام قبل أن تصل شكواي وأعود.
من حق أي أحد أن يكون له راي يقدمه ويدافع عنه، ولكن ليس من حق أحد أن يصادر راي الأغلبية أو ان يعمل ضد القانون، بعد تشريعه ويلتف عليه، وأن يضع العصي في الدواليب.
كان الشكيك قد بلغ ما بلغ، لدرجة أن البعض اتهم المشروع وكأنه يفصل العقبة عن الأردن ويسيء اليها دون أن يكون عند هولاء بينة أو دليل سوى موقفهم المتوارث، على نحو (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون،)أي أنهم ضد التغيير والتطوير ومع رهن الأفكار الجديدة، لمصلحة أفكارهم.
ومن الذين أصيب عملهم في العقبة آنذاك وفي مشروعها الرائد كان، شادي عبد السلام المجالي، نفسه، الذي كان يعمل مفوضاً للجمارك، إذ أنه لم يسمح بخلط الأوراق، ولما لم يفعل، غادر الموقع، وها هو يعود الى موقع القيادة لعله يطفيء، ما علق بالمشروع من وهن.
لست بصدد تقديم شكاوي، فكل مشروع يجد من يدعم ومن يتحفظ ولكن اعتقد أن ما جرى في العقبة بعد أن اقلعت بداية وحققت الكثير الى أن جاءت حكومات فرهنت ذلك وأرهقت المشروع الذي بقي يشكو من إصابة القرارات المرتجلة، ثم لم يعد الكثيرون ينظرون الى العقبة ومشروعها الاقتصادي كما كانت عليه الفكرة،
وجرى التعايش مع أسلوب الترقيع والتجبير، وأصبحت العقبة مطمعاً وظيفياً ومواقعها الرسمية تدار بالكوتا غير المعلنة، فدفع المشروع الثمن، «ويا مسترخص اللحم، تجده في المرق».
لن أقدم فتاوي عن الفترات المتعاقبة، فهذا يحتاج الى دراسات وليس إنطباعات، لكنني أستطيع أن أقول إن فكرة المشروع برمته قد تراجعت، رغم ما صب فيه من جهد ورغم ما وصله من مستثمرين، بعضهم استوطن واستثمر، وبعضهم هرب حين رأى الارتجال وغياب استقرار التشريعات ومن يدخلون بنصائحهم على الخط.
مشروع العقبة مميّز وكان الدافع منه أن يُبنى رافعة وطنية اقتصادية يجري تخصيبها ونقل تجربتها الى اماكن أخرى في المملكة، يمكن أن ينجح فيها النموذج العقباوي.
تطوير العقبة ووصولها الى ما أراده الملك، أخذ وقتاً أطول من المقرر ودخلت عليه معطيات الارتباك والتردد والتأجيل والافتاء الذي لا يحتسب المصلحة الوطنية، حتى وصلت العقبة الى ما وصلت اليه ورغم كثرة المشاريع ونجاحها والنقلة النوعية التي شهدتها العقبة، وتحسين مستوى أهلها بصناعة تنمية مستمرة، حيث ارتفعت أسعار الأراضي، وحيث بنيت بيوت وشقق للذين رحلوا من أماكنهم.
وحيث قام أضخم مشروع في العقبة، وهو مشروع واحة ايله الرائد، وكذلك مشاريع أخرى عديدة، في سرايا الذي تعثر ثم سار بعد ذلك، ومشروع الميناء الذي واجه لغط كبير قبل أن يصبح حقيقة ماثلة ناجحة..
ومع اضطراد النجاح الملموس، سمعنا من يقول «نيال اللي اله في العقبة مرقد عنز –
العقبة في سنواتها الأخيرة كانت بحاجة الى تغيير جذري، يخدم توجهات ورؤية الملك، وكان يجب على الحكومات أن تضعها في مقدمة أجنداتها، ويبدو أن فتح الحكومة الحالية ملف العقبة كما ملفات اخرى، وادراكها الحاجة الى التغيير والاصلاح، بعد التشخيص الذي اطلع عليه الدكتور جعفر حسان.
فهل تغيير قيادة سلطة العقبة الذي حدث وما زال يحدث في ورشة ستستمر سينقل العقبة الى ماكيت التنفيذ المطلوب لنراها تدرك ما خطط لها، وتسد الثغرات المقفوز عنها وتبطل كل أشكال التبرير والرطانة.
يبدو أن الرهان هو على «شادي المجالي، وفريقه، حيث الرجل صاحب خبرة في العقبة ولديه تجربة في القطاعين الخاص والعام.
لن استعجل في إطلاق الأحكام، فالعقبة الاقتصادية تحتاج الى التغيير الاقتصادي والاجتماعي، والبنية العامة، ليحمل طموح مشروعها، ولذا يجب أن استمع إلى شادي المجالي اومن ترى السلطة أنه يتحدث بلغة جديدة عن العقبة الاقتصادية المأمولة.
سأنتظر ليحين الوقت، وأرجو أن يكون قد حان لنستمع لرئيس السلطة عن ما هو قائم وعن ما سيقوم لتكون المقارنة ممكنة حين نتتبع الأفعال لا الأقوال.