أما وقد وضعت الحرب أوزارها بحسب ترمب، فإن العُقبى لقدرته على تحويل الهدنة إلى سلام، لا بد أن يبدأ من غزة. اللافت ليس مدة الحرب، بل تسميتها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. سماها «حرب الاثني عشر يوما» وكأنها ضعف ما عرف في الغرب ب «حرب الأيام الستة»، المعروفة عربيا ب «نكسة» حزيران. «نكسة» لأن نظامي دمشق والقاهرة «الثوريين التقدميين» لم يسقطا!
بين عامي 1967 و2025 الكثير، وأهمه إيرانيا، ما جرى قبل ستة وأربعين عاما، والذي يعتبره معارضو نظام «ولاية الفقيه» كارثة حلت في بلاد «فارس» وتلك تسمية عادت لتطرح نفسها في وسائل إعلام معادية لإيران في أمريكا وفرنسا على نحو خاص، حيث تتشكل أبرز ملامح البديل في حال تراجع ترمب عن تمسكه برفض شعار تغييرِ النظام أو تراجعه -وقد تم- عن السماح بتغييرٍ في النظام الإيراني إن نكصت إيران -وضامنتها روسيا- عما يعتقد أنه الاتفاق الذي أوقف الحرب -وبمشاركة الصين- في إقناع طهران بأن الأولوية لبقاء النظام بلا برنامج تسليحي نووي وبدون أي تخصيب داخل البلاد لليورانيوم.
تزامن إعلان الهدنة والتزام إسرائيل وإيران بها قبل مغادرة ترمب بلاده الثلاثاء للمشاركة في أعمال قمة الناتو، يفيد بتحقق أمرين: تطبيق شعار «السلام عبر القوة» واعتماد الشراكة الاقتصادية الاستثمارية سبيلا لحفظ السلام بحيث يرى الناس وليس فقط الحكومات البديل عن لغة التهديد والتحريض والإقصاء والعنف. إيران وافقت -بحسب ترمب- على أن تصبح «دولة تجارية»! بذلك يؤمن ترمب بأن «مطرقة منتصف الليل» -العملية الخاطفة المباغتة التي قضت على البرنامج النووي الإيراني أو أجلته لبضعة أشهر بحسب بعض التقديرات- يؤمن أن تلك «المطرقة» مدماك في بناء السلام، فيما يرى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أنه بالاختراق الاستخباري والسيبراني والضربات الاجتراحية في العمق الإيراني، صار أقرب إلى القبول -شعبيا وحتى في داخل الليكود والمتحالفين معه في الائتلاف الحكومي وفي الكنيست الحالي، القبول بضغوطات ليس باتجاه إنهاء حرب غزة فقط من خلال صفقة تبادلية نهائية، بل والرضوخ لمطالب أمريكا وحلفائها العرب والأوروبيين بضرورة توفير حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بكل دوائره المتقاطعة، عربيا وإسلاميا وأمميا، ومؤخرا أمريكيا وغريبا.
خلافا لما تمناها البعض، أتت الحرب خاطفة وصواريخ «بشائر الفتح» الإيرانية التي اخترقت سيادة الشقيقتين قطر والعراق، ما كانت سوى جزء من ترتيبات مسبقة سيتم كشف أو انكشاف الكثير منها مع عودة الأضواء من جديد للقضية المركزية والمأساة الجارية في غزة، وعلى حدودها منذ كارثة السابع من أكتوبر 2023.
سقطت الدعاية الإيرانية وانهارت مصداقية نظام كان يتحدث عن فلسطين والقدس والمظلومية العالمية، واتضح أن ما يحكم صناع القرار الإيراني، إصلاحيين ومحافظين ومتشددين، مدنيين وعسكريين، هو مصالح الوطن والدولة وليس فقط النظام، نظام الثورة الإسلامية في إيران!
والعزاء كل العزاء، لمن عاش أوهام ما قبل «طوفان الأقصى» وبعده، وما قبل حرو ب «النظم التقدمية والثورية» العربية وبعدها.
كل أسلحة الدمار الشامل المزعومة أو الحقيقية التي تم صرف المليارات عليها في عدة دول شرق أوسطية، وكل الدماء والكرامات التي تمت استباحتها على مدى عقود، تعيد في أيامنا هذه وترد الاعتبار للدولة الوطنية ولمؤسسات الدولة الراسخة، المنبثقة من تاريخها الأصيل، لا المفروضة أو الهجينة، من نتائج الحربين العالميتين والحرب الباردة وسنوات «الفوضى الخلاقة والربيع العربي» الدامية الهدّامة.
ثمة أمل ورجاء في صحوة تعقبها نهضة تعيد الأمور إلى أصولها، ثوابت الوطن والأسرة والإيمان الحقيقي بالله بعيداً عن مدعي وأدعياء احتكار الحقيقة والفضيلة باسم «القضية»..