عروبة الإخباري –
في مقالها اللافت، “الحرب وترامب وصناعة سلام يخدم المصالح الانتخابية”، تنجح الكاتبة عبير العربي في رسم صورة شديدة الحساسية للمشهد السياسي المتشابك في الشرق الأوسط، وتضع القارئ أمام قراءة ذكية لحرب لم تكتمل عسكريًا، لكنها اكتملت رمزيًا في خطاب سياسي موجّه بدقة نحو صناديق الاقتراع.
يعتمد المقال على مقاربة دقيقة بين التصعيد العسكري في المنطقة والتوظيف السياسي الغربي له، وتحديدًا من قبل دونالد ترامب، الذي لا يزال يحترف صناعة المفاجآت، ويمارس لعبة السلام بوصفه مشروعًا انتخابيًا بامتياز. وقد التقطت الكاتبة هذه المفارقة بحسّ تحليلي واضح، حين ربطت بين إعلان ترامب المفاجئ عن “انتهاء الحرب” وتوقيت اقتراب الانتخابات الأمريكية، مما يفتح باب التساؤل حول مدى صدقية الخطاب الأمريكي حينما يتعلّق الأمر بمنطقة مضطربة مثل الشرق الأوسط.
من جهة اللغة والأسلوب، يظهر المقال بأسلوب أدبي مكثّف، تُهيمن عليه الصور البلاغية والعبارات ذات النَفَس الشعري، مما يضفي على النص طابعًا خاصًا يخرج به عن النمطية الصحفية المباشرة. لكن في الوقت نفسه، يمكن القول إن بعض المقاطع كانت ستربح أكثر لو أعيدت صياغتها بجمل أكثر اختزالًا ووضوحًا، بهدف تسهيل القراءة دون فقدان البُعد الجمالي. فالتحدي الحقيقي يكمن في الموازنة بين قوة التعبير ووضوح المعنى، خصوصًا في سياقات سياسية مركّبة.
كذلك، يميّز المقال حضوره النقدي الواضح، خاصة تجاه الدور الأمريكي والإسرائيلي في إدارة الأزمات لا إنهائها، والتشكيك في نوايا الحلول المفاجئة التي تُسوّق كنجاحات، وهي في حقيقتها محاولات لإعادة تشكيل النفوذ الإقليمي ضمن مقاييس مصلحية بحتة.
في المحصلة، لا يمكن التعامل مع هذا النص كمجرد تعليق على حدث سياسي، بل هو مقال تحليلي ذو بعد نقدي واستشرافي، يربط بين الحاضر والمقبل، ويُعيد ترتيب ملامح المشهد الشرق أوسطي من زاوية لا تغفل العامل الانتخابي في أمريكا، ولا تتجاهل مأزق الداخل في تل أبيب وطهران.
مقال عبير العربي يُضيف إلى المشهد الإعلامي صوتًا لا يكتفي بالسرد، بل يُفكّك، ويُحلّل، ويكشف عن طبقاتٍ من الحقيقة كثيرًا ما تُدار خلف الستار.