عروبة الإخباري –
رأت مهندسة الديكور باسكال حرب في حديثها لـ”اندبندنت عربية”، أعاد نشرها موقع “عروبة الإخباري“، أن التحول في تصميم واجهات المحلات الفاخرة خلال السنوات الأخيرة ليس مجرد موجة عابرة، بل نتيجة مباشرة لمجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها التغييرات التي أعقبت جائحة كورونا، من أزمات اقتصادية وصحية أثرت في سلوك الأفراد، إلى تحوّلات في مفهوم التسوّق والعلاقة مع المساحات. فبعد فترات العزل والتغيير القسري في العادات، بات الإنسان بحاجة إلى تجارب بصرية ونفسية مختلفة تعيد له الإحساس بالاكتشاف والتجديد.
أشارت حرب إلى أن الغموض الذي بات يطغى على واجهات المحلات ليس مجرد خيار جمالي، بل استراتيجية تسويقية مدروسة تعتمد على تحفيز الفضول. فعندما لا يرى الزبون ما يُعرض، تزداد رغبته في الدخول واكتشاف ما خلف الواجهة، وهو ما يعرف بالتسويق النفسي القائم على استثارة الحواس والدوافع غير المباشرة. فبدلاً من الإعلان الصريح، باتت الواجهة تلعب دور “الدعوة الصامتة”.
الواجهة كأداة ذكية
هذا التحوّل مرتبط أيضاً بتغيّر سلوك المستهلك، حيث بات العديد من الأشخاص يعانون من إدمان التسوق، ما دفع العلامات التجارية إلى التركيز على خلق تجربة حسية داخل المتجر، باستخدام الإضاءة، والموسيقى، والمواد الطبيعية، بدلاً من عرض كل شيء من الخارج. فلم تعد الواجهة كافية، بل أصبح المطلوب هو خلق بيئة داخلية تحفز الزائر على الاستمتاع والبقاء لأطول فترة ممكنة. فجاء التصميم الداخلي الأنيق، والإضاءة المدروسة، والموسيقى الراقية، وحتى العطور المختارة بعناية وعن قصد كلها عناصر تدخل في صناعة “مزاج الشراء”.
وأضافت حرب أن التسويق الرقمي لعب دوراً كبيراً في تقليص أهمية الواجهة كمنصة عرض تقليدية. فاليوم، تعرض المنتجات عبر مواقع الإنترنت والمؤثرين، بينما تخصص الواجهة لعرض الهوية البصرية للعلامة بأسلوب فني مفاهيمي. ومع الأزمات الاقتصادية، أصبح من المجدي اقتصادياً الاستثمار في واجهات ثابتة وغير متغيرة، تقلّل من التكاليف التشغيلية على المدى الطويل.
وأوضحت أن هذه التغطيات الغامضة تستخدم أيضاً لتوجيه الإضاءة والتحكم بدرجة حرارة المكان، كما يمكن أن تخدم في إخفاء عناصر معمارية لا تليق بالهوية البصرية للعلامة. فهي ليست مجرد حيلة تصميمية، بل أداة هندسية واقتصادية في آن.
بين فلسفة العرض وعيش التجربة
تتحدث حرب عن نظريات تسويقية عديدة تقف وراء الغموض في العرض أولها التسويق الحسي الذي يركز على خلق تجربة شاملة من خلال الصوت والضوء واللون، وحتى الروائح لجذب المستهلك والتأثير على قرار الشراء لديه. ويأتي بعدها مبدأ الندرة أو الإيحاء بها، حيث كلما قلت المعلومات أو انحجبت البضائع، شعر المستهلك بالحصرية وزادت رغبته في الاكتشاف والشراء. إضافة إلى التصميم المفاهيمي حيث تتعامل بعض العلامات التجارية مع واجهتها كقطعة فنية تروي قصة، لا كمنفذ بيع تقليدي. كأنها تقول لا داعٍ لعرض البضائع فهي معروفة بجودتها وفرادتها. هذا التحول نحو واجهات غامضة لم يعد يعتبر مجرد صيحة موقتة، بل انعكاس لتطور أعمق في فلسفة البيع والتواصل مع المستهلك. ويبدو أنه مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، وظهور تقنيات العرض ثلاثي الأبعاد، من المتوقع أن نشهد واجهات تفاعلية تتجاوز الجدران، وتخاطب الزائر قبل حتى أن يقرر الدخول.
هوية مبتكرة بدل التقليد
وأضافت “لمرة جديدة نثبت أننا من خلال الهندسة والفن والابتكار نعالج إشكاليات باستغلال المتوافر وابتكار أساليب جديدة تجيب على متطلبات الحال الواقع. وكل فترة هناك موضة جديدة تخلق من خلال إشكالية معينة في مشروع معين، قد يلاقي استحساناً أكبر من مجرد نجاح مشروع وسرعة انتشاره من خلال الإنترنت، فيصبح ترند. إلا أنه من المحبذ أن يلجأ كل صاحب مشروع إلى ابتكار هوية خاصة لمشروعه باستشارة المختصين في هذا المجال بدل اتباع السائد. فربما يكون مشروعه هو الرائد المُتبع. ولا ننسى أن لكل فترة موضتها. ولا بد من العودة بين الحين والآخر إلى الوراء وتجديده. ولا بد للإنسان العودة دائماً إلى حواسه بدءاً بالنظر واللمس في التسوق، والعودة إلى العرض بعد فترة من التسوق الرقمي والمنافسة، بخاصة أن للتسوق متعة غير موجودة على الصفحات التجارية الإلكترونية إضافة إلى تبعيات استهلاكية أخرى”.