عروبة الإخباري –
الدستور –
في 25 حزيران من كل عام، يحتفل العالم بيوم المرأة العاملة في المجال الدبلوماسي، احترامًا وتقديرًا لكل من اختارت أن تكون على تماس مباشر مع قضايا العالم، حاملةً هموم وطنها إلى طاولات الحوار، وناقلةً صوت السلام وسط صخب المصالح والتجاذبات.
وقد يتساءل البعض: هل تستطيع المرأة أن تنجح في العمل الدبلوماسي بنفس كفاءة الرجل؟
والجواب: نعم، وبكل تأكيد. لأن المعيار هنا ليس كون الشخص رجلًا أو امرأة، بل ما يمتلكه من حكمة سياسية، ودراية ثقافية، ومهارات استراتيجية في التعاطي مع الشأن الدولي، وقدرة على إدارة التعقيد. والمرأة، بما تتمتع به من مرونة فكرية وحسّ عالٍ بالمسؤولية، أثبتت جدارتها في قيادة ملفات دولية، والتفاوض على اتفاقات سلام، وتمثيل دولها أمام العالم بكفاءة واقتدار.
إن تخصيص يوم دولي للاحتفاء بالمرأة في السلك الدبلوماسي ليس مجاملةً رمزية، بل هو اعتراف بتراكم نضال طويل كانت فيه المرأة مهمّشة، رغم دورها الجوهري بهذا المجال بالذات . واليوم، أصبحت المرأة تتبوأ مناصب قيادية عليا كوزيرة خارجية، وسفيرة، ومبعوثة خاصة، وصانعة قرار.
وجود المرأة في مواقع صنع السياسة الخارجية يُعيد رسم ملامح هذه السياسة، ويمنحها أبعادًا أكثر إنسانية وشمولًا. فهي تتناول قضايا مثل التعليم، والصحة، والنوع الاجتماعي، وحقوق الإنسان من منظور شمولي، الامر الذي يُعزز صورة الدولة دوليًا كدولة تحترم التنوع والعدالة.
شهدت العقود الأخيرة تطورًا ملحوظًا في تمثيل المرأة على الساحة الدبلوماسية، إلا أن هذا التطور لم يكن خاليًا من التحديات. فغالبًا ما تواجه المرأة تمييزًا غير معلن، أو استخفافًا بقدرتها على تحمل أعباء العمل، إضافة إلى تحدي التوفيق بين طبيعة العمل الدبلوماسي المتنقل والحياة الأسرية، فضلًا عن صراع إثبات الذات في بيئة يغلب عليها الطابع الذكوري. ورغم ذلك، فقد أثبتت المرأة الدبلوماسية أنها نموذج يُحتذى به في الانضباط والولاء المهني.
ثمة تمايز واضح في بعض الأحيان بين الأسلوب الدبلوماسي للمرأة والرجل. فالمرأة تميل غالبًا إلى ما يُعرف بـ»الدبلوماسية الناعمة»، أي بناء الثقة، والإصغاء، وتوسيع مساحات التفاهم من خلال الحوار الراقي العقلاني للوصول الى مرادها وهو حقوق الانسان وتحقيق العدالة المنشودة.
تشير التقديرات إلى أن نسبة السفيرات حول العالم في تصاعد مستمر، حيث بلغت في عام 2024 نحو 21% من إجمالي السفراء والممثلين الدائمين. ورغم أن النسبة لا تزال دون الطموح، إلا أنها تُعد مؤشرًا إيجابيًا، لا سيّما حين ندرك أن جوهر القضية لا يكمن فقط في العدد، بل في مدى الحنكة السياسية والكفاءة المهنية.
لذا، نشأت مبادرات دولية عديدة تهدف إلى تمكين النساء في الحقل الدبلوماسي، مثل مبادرة «النساء في الدبلوماسية» التابعة للأمم المتحدة، وبرامج التدريب والتأهيل التي تديرها مؤسسات مرموقة، انطلاقًا من قناعة بأن تعزيز حضور المرأة في العلاقات الدولية يُسهم في بناء عالم أكثر توازنًا وعدالة.
وجود المرأة في الدبلوماسية العالمية لا بد وأن يصنع فرقاً محبباً من خلاله تُعيد تشكيل الحوار العالمي وتضيف نوعًا من التوازن.