عروبة الإخباري –
برس باترو – زلفا عساف –
كان المساء رقيقاً كالمشاعر التي غنّاعا، أتت نغماته مع نسمات الليل، هادئة رومنسية بنوتاتها المغناج، وكأن الليل تأخّر قليلًا ليُصغي.
لم يَعتلِ النجم مروان خوري مسرح جامعة سيدة اللويزة كنجمٍ يُبهر، بل كمرهف إحساس يعرف كيف يروي مشاعرنا حين نعجز نحن عن قولها.
لم يغنِّ! بل حرّك الذاكرة بلحن، وبثّ الطمأنينة بكلمة، ولامس بشجنٍ خفيفٍ عصبًا خامدًا في دواخلنا.
متنقلاً بين مكنونات كنوز ألحانه، من نغمة إلى أخرى، من “كل القصايد” إلى “بتمون” … ومن همسه الخاص إلى ألحانه التي غناها الفنانون، صنع عالمًا خاصاً، فقط بكثير من الإحساس!
وتحت شعار “من أجل مستقبل لبنان وشبابه” أحيا خوري الحفل الخيري لدعم طلاب الجامعة، بحيث اتت رسالته الى جانب رسالة الجامعة كنقطة التقاء نحو فن هادف معطاء.
منذ اللحظة الأولى، بدا أن الحفل لن يكون مجرّد عرض غنائي. الكلمة التي ألقاها خوري كانت بمثابة بيان فني، خلاصة فلسفة جمالية ترى في الفن رسالة ومسؤولية، لا ترفاً أو استعراضاً. عبّر عن الفن كجسرٍ بين الوعي والجمال، بين الإنسان وذاته، ودور الفن الذي يُنير، ويخلق رسالة سامية.
ولعل هذه الفكرة تسربت في كل نغمة لاحقة. فقد اختار خوري أن يبدأ من روحه، لا من نجوميته. اختار أن يغني “كل القصايد” بصوتٍ أكثر تواضعاً، لكنه محمَّلٌ بعمقٍ داخلي. غنّى بصوته، وبأصابع البيانو، وبإيماءاتٍ لا تُرى، لكنها تُشعر.
كما وغنّى من أرشيفه الذهبي، لكن الغريب أن كل أغنية بدت كأنها وُلدت لتوّها. “كل القصايد”، “قصر الشوق”، “أنت ومعي”… كلها مرّت، لكن كما لو أنها لا تمرّ، بل تُعيد تشكيل الزمن.
ثم كانت تلك اللحظات التي اجتمع فيها اللحن بالصوت الأصل. خوري غنّى أغنياتٍ لحّنها لأصواتٍ صارت أيقونية، وكأنّه يُعيدها إلى رحمها الأول.
غنّى “بتمون” التي عرفناها بصوت إليسا، فجاءت بصوته أكثر احتواءً، أكثر خجلاً ودفئاً.
غنّى “معقول” لفضل شاكر، بحنينٍ صافٍ لا يجرؤ عليه إلا من لحنه.
وغنّى “طلع فيي” لكارول سماحة، بأناقة داخلية تزيح عنها كل استعراض، وتترك اللحن يهمس وحده.
هذه الأغنيات، التي حفظها الجمهور عن ظهر قلب، استعادت روحها الأصلية حين عبرت مجددًا من فم مرندحها.
جمهور عاش مُتسع الإحساس
الجمهور لم يكن مجرد متلقٍ بل كان شريكًا. لا تصفيق فقط، بل تناغم. لا غناء جماعي فقط، بل تواطؤ وجداني. عشرات من الطلاب والشخصيات الرسمية والفنية والثقافية ذابوا في ليل الأغنية، كلٌ على طريقته، لكن تحت سقفٍ واحد: سقف النغمة الصادقة.
الجامعة التي تفهم الفن
كلمة الأب بشارة الخوري، رئيس الجامعة، لم تكن بروتوكولاً. كانت أشبه ببيان ثقافي راقٍ. فالفن ليس هامشًا، وإن الجمال هو الطريق إلى الله.كانت NDU، مساحة للذوق والحرية، ومنبراً ينبض بالحياة، حيث العلم لا يفصل نفسه عن النغم، والمعرفة لا تكتمل بلا إحساس.
وبدفءٍ إنسانيّ سلّم الأب بشارة الخوري للفنان خوري هدية تذكارية تمثل وجه السيّدة العذراء، شفيعة الجامعة. لحظة أبلغ من كل التصفيق. وكأن الجامعة تقول للفنان: ما قدّمته، صلاة. وما أخذته، تذكار من القلب.
تجلّى مروان خوري في NDU كلمةً ولحناً واداءً وعزفاً
جاءت هذه الأمسية لتقول: لا يزال في هذا الوطن من يُتقن صناعة الضوء، ويعرف كيف يصوغ الفنّ كطقسٍ وعالمٍ في آنٍ واحد.