عروبة الإخباري –
في عالم تتكاثر فيه النصوص وتقلّ فيه العدالة، ويعلو فيه صدى الخطابات بينما يخفت صوت الإنصاف، تخرج إلينا الدكتورة ملكة محمد الحلبي لا كباحثة قانونية تقرأ الواقع، بل كقائدة فكرية تعيد صياغته. هي ملكة، لا فقط بالاسم، بل بالرؤية والموقف، بالعلم والموقف، بالكلمة التي تقاتل بصبر، وتبني بأمل.
تكتب فلا تهادن، وتُحلّل فلا تُجامل، وتسرد فصول المأساة النسائية في بلادنا لا لتستدرّ التعاطف، بل لتحرّك الوعي، وتُوقظ ضمير المجتمع. بحضورها الرصين وفكرها الواثق، تتجاوز دور الباحثة التقليدية لتصبح صوتًا حرًا يتحدث باسم النساء اللواتي أُقصين عن القانون، وغُيّبن عن النص، وتُركن لمصير الصمت.
ليست مجرد مدافعة عن حقوق المرأة، بل صاحبة مشروع نهوض فكري وقانوني، تؤمن بأن القانون لا يُقرأ في المواد فحسب، بل في تفاصيل الحياة اليومية، وأن الكرامة لا تُصاغ بمرسوم، بل تُنتزع عبر الإصرار والمعرفة والنضال الأخلاقي.
من القانون إلى النضال الهادئ
اختارت د. الحلبي أن تكون في صفوف من لا صوت لهم، من النساء المهمّشات، من اللواتي أُقصين عن المساواة، وسُلبن أبسط الحقوق، سواء في الجنسية أو الحماية أو التمثيل. لا تكتب لتُدهش، بل لتُضيء؛ ولا تسرد لتُعجب، بل لتوقظ. ففي كل مقال تكتبه، تقف خلفه تجربة امرأة، وجع أُمّ، أو صرخة فتاة لم تجد ملاذًا من العنف.
سلاحها الكلمة… ومعركتها العقل
ترى د. ملكة أن الإصلاح لا يبدأ من الشارع فقط، بل من النصوص التي تُشرّع الظلم، ومن المفاهيم التي تُسوّق للتمييز كأمر واقع. ولهذا سخّرت علمها القانوني لتحليل التشريعات، وكشف الثغرات، ومواجهة الأعراف التي تكبّل المرأة العربية. إنها تقف في قلب معركة ثقافية-قانونية تُعيد تعريف المواطنة، وتطالب بأن تكون المرأة شريكًا كاملاً في الوطن لا مواطنًا من درجة ثانية.
بين القلم والمنبر… مشروع وعي لا ينتهي
ما يميز د. الحلبي ليس فقط ما تكتبه، بل الطريقة التي تعبّر بها عن المظلومين، والأسلوب الذي تُخاطب به العقل والوجدان معًا. لا تبحث عن الأضواء، بل عن التأثير الحقيقي. وقد نجحت، بفضل اتزانها وجرأتها، في كسر دائرة الصمت حول كثير من القضايا المسكوت عنها، وفرضت حضورها كمرجعية فكرية في مجال الدفاع عن المرأة.
تكريم مستحق… ومكانة تليق برائدة
من يقرأ كتابات الدكتورة ملكة يدرك أنه أمام شخصية استثنائية تمزج بين الصرامة القانونية والدفء الإنساني، وتُدير معركتها ضد التمييز بذكاء لا يصطدم، بل يُقنع. إنها ليست فقط باحثة أو قانونية، بل رمز نسوي متنور وواحدة من القلائل الذين استطاعوا تغيير الوعي قبل تغيير النصوص.
الدكتورة ملكة محمد الحلبي لا تحتاج إلى تمجيد، بل إلى من يقرأها بإنصاف، ويتّبع أثرها بشجاعة. هي لا تمثل نفسها، بل تمثل المرأة التي تريد وطنًا عادلًا، لا عطفًا قانونيًا؛ صوتًا مساويًا، لا مجرّد استثناء مشرّع. في زمن تتعدد فيه الأصوات، يبقى صوتها من القلائل الذين نثق أنهم لا يصرخون فقط… بل يصنعون الفرق.