عروبة الإخباري –
لا تُقاس الحروب الحديثة بمدى دقة صواريخها، بل بمدى بُعد النظر السياسي لمن يطلقها. وما شهدناه في يونيو 2025 بين إسرائيل وإيران لم يكن إلا تجليًا فاضحًا لغياب العقل الاستراتيجي، واستبداله بمزيج من الشعبوية السياسية والعقيدة المفرطة في الهوس الأمني.
القرار الخطير: تحريك الجحيم من أجل نقطة سياسية
في تحقيق نشرته واشنطن بوست، يتبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد “اتخذ قرار شن الحرب على إيران قبل عام تقريبًا، ثم سعى لإقناع دونالد ترامب بتأييد ذلك القرار”، فهذه المعلومة تكشف ما هو أخطر من الحرب نفسها: أن الصراع لم يكن استجابة لحدث طارئ، بل نتيجة قرار مُسبق محكوم باعتبارات سياسية داخلية أكثر من كونه تهديدًا وجوديًا خارجيًا.
ونتنياهو، المحاصر داخليًا بالفضائح السياسية، وجد في الحرب أداة مثالية للهروب إلى الأمام. لكن حسابات الداخل لا تُترجم بالضرورة إلى مكاسب استراتيجية خارجية.
الرد الإيراني: عقيدة الانتقام بدلًا من استراتيجية الردع
لم تكن إيران أكثر حكمة. فجاء ردها، كما وصفته أسوشيتد برس، عبارة عن “سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة طالت منشآت مدنية وعسكرية في إسرائيل”.
لكن اللافت أن الهجمات لم تُحقق هدفًا عسكريًا حاسمًا، بل عززت تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ومنحت تل أبيب ذريعة لتصعيد أكبر.
هنا، تتجلى أزمة العقيدة الثورية في النظام الإيراني، حيث لا تزال القيادة تتعامل مع الردع كفعل شعائري، لا كأداة ضمن هندسة توازن إقليمي عقلانية.
واشنطن: الوسيط الذي يُشعل الحريق
مفارقة التاريخ أن الولايات المتحدة، التي تدخلت مرارًا في الماضي كوسيط لاحتواء التوتر في الشرق الأوسط، أصبحت في حرب 2025 جزءًا من آلة الحرب نفسها. تايم كتبت بوضوح: “الولايات المتحدة نفّذت هجمات جوية على منشآت نووية إيرانية باستخدام قاذفات B-2، بتنسيق كامل مع إسرائيل”.
ثم في مشهد درامي أشبه بمسرحية هزلية، أعلن الرئيس ترامب بعد 12 يومًا وقفًا “كاملًا وشاملًا” لإطلاق النار، كما نقلت ، صحيفة انديانا تايمز، من دون التطرق لمصير الضحايا المدنيين أو الانهيار الإقليمي المحتمل.
ضحايا بلا ضوء في النفق
وتُشير التقارير إلى مقتل أكثر من 430 شخصًا في إيران، غالبيتهم من المدنيين، مقابل 24 قتيلًا في الجانب الإسرائيلي وأكثر من 800 جريح، وفق أرقام رسمية. أما عن الأضرار غير المباشرة، فقد تحدثت رويترز عن “خسائر جسيمة في البنية التحتية الإيرانية، تشمل منشآت الطاقة والاتصالات”.
النتيجة واحدة: لا طرف خرج منتصرًا، وكل ما تحقق هو زعزعة التوازن الإقليمي وإشعال المخاوف من تسرب إشعاعي محتمل، خصوصًا في الخليج.
خاتمة: حين يغيب الرشد، لا تكفي القوة
ما جرى في حرب 2025 ليس أكثر من إخفاق مزدوج لحكومتين اختارتا الحرب كوسيلة للهرب من أزماتهما الداخلية، وجعلتا من شعوبهما رهائن لسياسات قصيرة النظر. لقد كشفت الحرب عن هشاشة الأنظمة، لا عن قوتها.
لا إسرائيل نجحت في تدمير المشروع النووي الإيراني كليًا، ولا إيران أثبتت قدرتها على الردع الاستراتيجي.
أما المنطقة، فعادت إلى نقطة الصفر: التوتر، عدم الاستقرار، والاستعداد الدائم للجولة القادمة. والجميع خاسر.