….. عمل الزميل عبدالله أبو رمان سنوات طويلة من عمره، سفيرا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو السفير الوحيد الذي ذهب لرعاية المصالح الأردنية وهو السفير الوحيد الذي قرأ في إيران المذهب والثورة والأعراق..قرأ العادات والتقاليد والموروثات، قرأ الشعر الفارسي والحكمة، والأهم أنه شكل صورة صادقة وأعطى رأيا حصيفا..
عبدالله أبو رمان أنا وهو من نفس الجيل وبدأنا العمل في الإعلام سويا، لكنه تفوق علينا في الوعي، حتى وهو سفير في إيران كنا على تواصل دائم، واجزم أنه الوحيد الذي فهم بنية الدولة والعقل الفارسي، وفهم معادلة الحكم هناك.
هو الان في تونس يمارس مهمامه كسفير للبلاط الملكي، وكعادته ينشغل في المساء يقراءة الكتب، ومتابعة التلفاز والبحث عن وجبة دسمة، ناهيك عن متابعة دراسة الأولاد..ونتحدث أحيانا عن ال(30) عاما التي أمضيناها مع بعضنا البعض، ونسترد ذكريات أبو حامد العطيات, والصواني في البلد..
أنا وعبدالله من الجيل الذي تعلم كثيرا من موفق محادين، ومن محمد عدنان البخيت ومن الدكتور محمد العطيات، وكنا نطارد ندوات هشام غصيب..وياما زرنا مريود التل في منزله، وياما حدثنا عن وصفي التل..وقد بدأنا الكتابة سويا، لكنه كان الأنضج والأجمل لغة، والأعمق تفكيرا.
في هذه الأزمة نحتاج للزميل عبدالله أبو رمان أن يكون في المطبخ، نحتاجه أن يتحدث لنا عن العقل الإيراني، فهذه البلاد كانت مغلقة ومحاصرة…ويسودها الهاجس الأمني، نحتاج أن يشرح لنا عن تركيبة السلطة وعن نفوذ المرشد..نحتاج لأن يحدثنا عن الحضارة الفارسية: صفاتها وقوتها…
عبدالله أبو رمان، تعلم الفارسية..حفظ جزءاً كبيرا من الشعر، حتى تاريخ السجاد قام بدراسته، وأظن أن (5) سنوات من الخدمة في هذا البلد جعلته مؤهلا لتقديم تصور واضح، جعلته مؤهلا لأن يكون خبيرا في الشأن الإيراني بامتياز.
كانت المرة الأولى ربما في تاريخ وزراة الخارجية الأردنية، أن ترسل لإيران سفيرا عمل كاتبا وصحفيا وباحثا ومعلما في ذات الوقت، لهذا خدمته هناك لم تكن توقيع أوراق واستقبال تأشيرات، بل كانت كلها تصب في البحث والإستقصاء وفهم المجتمع.
أنا مشتاق لهذا الرجل، اعتقد أنه هو الوحيد الذي يملك تصورا مختلفا وفريدا عما يحدث، ومن واجبنا إعادته لعمان..كي يضعنا بصورة المشهد ويقدم لنا وصفة مهمة في التعاطي مع هذه الأزمة.
عبدالله أبو رمان يجب أن يكون الان في المطبخ، وليس خارجه…فهو الوحيد الذي يجرؤ أن يعطي استنتاجا مهما، بناء على فهم عميق لإيران من الداخل..
أول كتاب أصدره محمد حسنين هيكل في حياته كان في عام (1951) واسمه ايران فوق البركان..كان قد أمضى شهرا واحدا في إيران فقط، لكنه بهذا الكتاب وضع تصورا مطابقا لما يحدث اليوم حول مستقبل إيران…ما بالكم يصحفي أردني عبقري أمضى (5) سنوات هناك