عروبة الإخباري –
صدر قانون معدل لقانون العقوبات لسنة 2025 (قانون رقم 12 لسنة 2025) في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 حزيران 2025، ليعمل به من تاريخ نشره. يأتي هذا القانون في سياق تحديث التشريعات الجنائية الأردنية بهدف تعزيز عدالة أكثر إنسانية وتوسيع تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية، وتفعيل العدالة التصالحية في القضايا البسيطة. وقد تضمّن تعديلات جوهرية مادةً بمادة على قانون العقوبات الأصلي رقم 16 لسنة 1960. أدناه نستعرض أبرز المواد المعدّلة، نصوص التعديل، على والمحاور القانونية التي تستهدفها كل مادة، مع شرح مبسّط وأمثلة وتبيان النقاط العملية الهامة للمحامين.
تعديل المادة (22): تقسيط الغرامة وتأجيلها ومنع السفر
نص التعديل: عدّلت المادة (22) من قانون العقوبات بإجراء تغييرات مهمة تتعلق بتنفيذ عقوبة الغرامة. شملت التعديلات ما يلي:
• استبدال مصطلحات: استُعيض عن عبارة “خزينة الحكومة” بعبارة “خزينة الدولة”، وعن كلمة “القانون” بعبارة “هذا القانون أو أي تشريع آخر” في مطلع المادة، وذلك لتوحيد المصطلحات وتوسيع نطاق تطبيق تعريفات القانون لتشمل تشريعات أخرى عند الاقتضاء.
• إضافة فقرات (4) و(5) و(6): تم إدراج ثلاث فقرات جديدة لتنظيم تأجيل دفع الغرامات وتقسيطها وبدائل تنفيذها:
◦ الفقرة (4): أجازت للمحكمة بناءً على طلب المحكوم عليه تأجيل تنفيذ عقوبة الغرامة لمدة لا تزيد على سنة، أو الموافقة على تقسيطها على دفعات لمدة لا تزيد على سنتين، إذا تبين أن المحكوم عليه غير مقتدر على دفع الغرامة فوراً. مثال تطبيقي: في حالة الحُكم على متهم بغرامة عالية تفوق مقدرته المالية، يمكن لمحاميه التقدم بطلب للمحكمة لتقسيط المبلغ على أقساط شهرية خلال سنتين بدل زجه بالسجن لعدم الدفع. نقطة للمحامي: ينبغي جمع ما يثبت إعسار الموكل (كشهادات دخل) لإقناع المحكمة بتفعيل هذا النص.
◦ الفقرة (4/ب): منع سفر المحكوم عليه حتى سداد قيمة الغرامة أو انقضاء مدة العقوبة. وهذا تدبير وقائي لضمان عدم تهرب المحكوم من الدفع بمغادرة البلاد. نصيحة عملية: على المحامي إبلاغ موكله المحكوم بغرامة والمؤجل دفعها بأنه سيبقى ممنوعاً من السفر لحين دفع كامل المبلغ، تفادياً لأية مخالفة أو مفاجأة في المنافذ الحدودية.
◦ الفقرة (5): استبدال الحبس بتحصيل أموال المحكوم عليه: إذا تبين للمحكمة أن للمحكوم عليه أموالًا منقولة أو غير منقولة كافية، يجوز تأجيل حبس المحكوم عليه والبدء بإجراءات الحجز على أمواله لتحصيل مبلغ الغرامة وفق قانون تحصيل الأموال العامة. فإن تعذّر التحصيل لأي سبب، يُستأنف تنفيذ الحبس بحقه. توضيح: هذا النص يقنن ترتيب الأولويات بحيث لا يلجأ للسجن عن الغرامة إلا بعد استنفاد وسائل التنفيذ المدني. ملاحظة: على المحامي متابعة إجراءات الحجز والتأكد من قيمة المحجوزات مقارنة بمقدار الغرامة لتجنب بقاء موكله قيد المنع أو الحبس.
◦ الفقرة (6): تؤكد أن الغرامات الجزائية تعتبر عقوبة وليست حقاً شخصياً، أي أنها مستحقة للدولة ولا تسقط بإسقاط شخصي. وبالتالي حتى لو تصالح المجني عليه مع المحكوم في قضايا الغرامات، تبقى الدولة صاحبة الحق في استيفاء الغرامة كونها عقوبة. تنبيه للمحامين: لا يُعفى موكلك من الغرامة بتحصيل إسقاط حق شخصي؛ فالغرامة التزام عام لا يسقطه إلا الدفع أو التقادم أو العفو العام.
غاية التعديل ومقصد المشرّع: هدفت هذه التعديلات إلى تفادي سجن المدينين بالغرامات ممن أثبتوا عجزهم المالي، عبر إتاحة تقسيط الغرامة أو تأجيلها، مما يخفف اكتظاظ مراكز الإصلاح بمن حُبسوا لعجزهم عن الدفع. كما يُعزّز التعديل تحصيل الأموال العامة بفعالية من خلال الحجز على أموال المحكوم عند توفرها عوضاً عن الحبس. ويؤكد المشرّع أن الغرامة عقوبة للحق العام لا تسقط بالتصالح الخاص، لضمان هيبة الردع العام. أما منع السفر فهو لضمان جدية التنفيذ وعدم إفلات المحكوم ماليًا من الالتزام.
الأثر القانوني: أصبحت المحاكم تملك صلاحية واسعة في التعامل مع الغرامات:* تستطيع تعليق سجن المحكوم لحين تحصيل الغرامة* بشروط، مما يعد تطبيقًا لسياسة العقوبات البديلة المالية بدل السالبة للحرية. كذلك بات للمحكوم حق قانوني بطلب المهلة أو الأقساط، وعلى المحكمة البت فيه وقرارها قابل للطعن إن صدر برفض الطلب أو إلغائه. فهذا يمنح المحامين أداة إضافية للدفاع عن موكليهم المحكومين بغرامات. أيضاً، يجب الانتباه أن إخلال المحكوم بشروط التقسيط أو التأجيل سيؤدي إلى إلغاء المهلة واستئناف إجراءات الحبس فوراً..
تعديل المادة (25 مكررة): بدائل العقوبات السالبة للحرية (الخدمة المجتمعية وغيرها)
خلفية: كانت المادة (25 مكررة) المضافة في تعديل 2022 تسمح ببدائل محدودة للعقوبة السالبة للحرية في بعض الجنح وبشروط ضيقة. أما الآن فقد ألغى قانون 2025 نص تلك المادة القديمة بالكامل، وأقرَّ بدلاً منها نظاماً أشمل لبدائل العقوبات يشمل جميع الجنح وبعض الجنايات ضمن ضوابط جديدة. أدناه تفاصيل التعديل كما نُشر:
نص التعديل الجديد (ملخصاً): يمنح التعديل المحكمة صلاحية استبدال العقوبة السجنية بعقوبة بديلة وفق الأحكام التالية:
• توسيع نطاق الاستبدال: أصبح يجوز للمحكمة استبدال العقوبة السالبة للحرية ببديل أو أكثر في جميع الجنح، وكذلك في الجنايات التي لا تزيد عقوبتها المحكوم بها عن ٣ سنوات (اشغال مؤقتة أو اعتقال مؤقت)، وذلك سواء عند إصدار الحكم أو حتى بعد اكتسابه الدرجة القطعية. الشرط الوحيد هو عدم تكرار المدان للجريمة (أي ليس من أصحاب الأسبقيات) وتوفر تقرير حالة اجتماعية يوصي بالبديل. مثال: شخص أدين لأول مرة بجنحة سرقة بسيطة وحكم عليه بالسجن سنة؛ يمكن للمحكمة عند الحكم أو بعده استبدال السجن بـ خدمة مجتمعية أو برنامج تأهيل بدلاً من دخوله السجن، مما يساعد على إصلاحه خارج أسوار السجن.
• بدائل عقابية جديدة: تم إدراج بدائل إضافية وتوسيع القائم منها لتشمل ما يلي:
هذه البدائل يمكن للمحكمة اختيار واحد منها أو الجمع بين أكثر من بديل وفق ما تراه محققاً للردع والإصلاح معاً. وجميعها مشروطة بموافقة المحكوم عليه، ما يعني أنه إذا رفض البديل وفضّل السجن (وهو خيار قد يلجأ له البعض)، فلا تملك المحكمة فرض البديل قسراً.
a. الخدمة المجتمعية: إلزام المحكوم بالعمل للصالح العام دون أجر لعدد من الساعات تحدده المحكمة لا يقل عن 50 ساعة (بعد أن كان الحد الأقصى 100 ساعة سابقاً). ولم يحدّد سقف أعلى للساعات في القانون المعدل، مما يعني أن المحكمة لها مرونة بفرض أي عدد ساعات معقول وفق جسامة الجرم. تطبيق عملي: في جرائم الجنح الصغيرة، قد تقضي المحكمة بـ50-200 ساعة خدمة مجتمع في مستشفى أو بلدية بدل الحبس، حسب ظروف المتهم.
b. البرامج التأهيلية والتدريبية: إخضاع المحكوم لدورات أو برامج تأهيل سلوكي واجتماعي بإشراف جهات معتمدة. الهدف تقويم سلوك المحكوم وتحسينه بدل معاقبته فقط. مثال: في جرائم الأحداث أو المدمنين، يمكن إلزام المحكوم بحضور برنامج إعادة تأهيل أو تعليم مهني خلال مدة محددة.
c. برنامج علاجي من الإدمان: وهو بديل جديد صريح خُصص لمن يعانون من تعاطي المخدرات، بحيث يلتزم المحكوم بالخضوع لعلاج في مراكز متخصصة بموافقته. جاء هذا البديل نظراً لانتشار قضايا التعاطي؛ فيسهم العلاج بديلاً عن السجن في تخفيف أعداد النزلاء المتعاطين وفي إعادة دمجهم بالمجتمع.
d. المراقبة الإلكترونية: وضع المحكوم تحت الرقابة الإلكترونية (سوار إلكتروني) لمراقبة تحركاته كافة. الجديد هنا أنه لا يقتصر على تحديد موقعه بل يمكن اشتراط بقاء المحكوم ضمن منطقة جغرافية محددة تحددها المحكمة، فيتحول السوار الإلكتروني إلى وسيلة فعالة لضمان الالتزام بالإقامة ضمن نطاق معين (مثلاً منزله). ملاحظة: كان السوار الإلكتروني مستخدماً سابقاً للمراقبة فقط دون تقييد الموقع الجغرافي، أما الآن فأصبح أداة لفرض الإقامة الجبرية الجزئية أو الكلية.
e. حظر ارتياد أماكن معينة: منع المحكوم من ارتياد مواقع أو مناطق محددة لفترة تحددها المحكمة (مثلاً حانات، ملاعب، أحياء معينة) متصلة غالباً بطبيعة الجريمة المرتكبة.
f. الإقامة الجبرية: إلزام المحكوم بالإقامة في منزله أو في منطقة جغرافية محددة، بشكل جزئي أو كلي، للمدة التي تراها المحكمة مناسبة، على أن تقترن هذه الإقامة بالمراقبة الإلكترونية لضمان التقيد. تطبيق: في جريمة مشاجرة جماعية مثلاً، يمكن للمحكمة أن تفرض حظر تجول ليلي على المحكوم في منزله لمدة معينة كبديل عن سجنه.
• إقران البدائل بتدابير إضافية: سمح التعديل للمحكمة بأن تقترن البدائل بأيٍّ من تدبيرين إضافيين لضمان فعالية العقوبة: (أ) منع سفر المحكوم مدة محددة، (ب) إلزامه بتقديم تعهد مالي (كفالة) بعدم التعرض أو التواصل مع أشخاص أو جهات معينة. هذان التدبيران يمكن فرضهما مع البديل لضبط سلوك المحكوم. مثال: في حالة استبدال حبس في قضية عنف أسري ببرنامج تأهيل، قد تمنع المحكمة الجاني من الاتصال بالضحية وتلزمه بتعهد مالي لضمان ذلك.
• مدة البديل نسبة للعقوبة الأصلية: يُشترط أن لا تقل مدة تنفيذ البديل عن ثلث مدة العقوبة السالبة للحرية المستبدلة ولا تزيد عليها. أي إذا كان المحكوم عليه بسجن 9 أشهر، فيجب أن تكون مدة خدمته المجتمعية (أو باقي البدائل) 3 أشهر على الأقل ولا تتجاوز 9 أشهر. وهذا لضمان تناسب البديل مع خطورة الجريمة وألا يصبح أخف بكثير من العقوبة الأصلية.
• تحديد مدد التنفيذ القصوى بحسب نوع الجريمة: لا يجوز أن تزيد مدة تنفيذ البدائل على سنتين في الجنح، ولا على 3 سنوات في الجنايات، وبحد أدنى شهر واحد في الجنح و3 أشهر في الجنايات. هذه الحدود مهمة للمحامين لمعرفة إطار العقوبة البديلة الممكن اقتراحها؛ فحتى لو كانت العقوبة الأصلية 5 سنوات سجن (جناية)، الحد الأقصى للبديل 3 سنوات فقط.
• وجوب النطق بالعقوبة الأصلية أولاً: ألزمت التعديلات المحكمة بأن تصدر حكماً بالعقوبة السالبة للحرية (السجن) ثم تقرر استبدالها بالبديل المناسب. وهذا إجراء شكلي مهم لضمان أن البديل ليس إعفاءً من العقوبة بل تبديل طريقة تنفيذها. نقطة إجرائية: يترتب على ذلك أنه لو أخل المحكوم بشروط البديل، يمكن بسهولة إعادة تفعيل عقوبة السجن المنطوق بها دون حاجة لمحاكمة جديدة.
• مفهوم التكرار (العود) المُعتمد: اشترط القانون لحرمان المحكوم من البدائل أن يكون قد صدر بحقه حكمين قطعيين سابقين بالحبس عن جرائم مماثلة. هذا تعريف أوضح للتكرار لضمان عدم حرمان المحكوم من البديل إلا إن كان صاحب سوابق واضحة (حُكمين قطعيين). وقد جاء لتضييق التفسير الواسع السابق للتكرار. للمحامي: إذا كان لموكلك إدانة و اثنتان سابقاً، فالأصل عدم منحه بديلاً؛ أما من لديه سابقة واحدة فيبقى مستحقاً للنظر في البديل.
• تجريم العبث بأدوات المراقبة: استحدث التعديل نصاً يُجرّم من يعبث أو يتلف الأجهزة الإلكترونية أو المعدات الخاصة بتنفيذ العقوبات البديلة (كالسوار الإلكتروني) بقصد التخلص من الالتزام المفروض عليه. العقوبة حبس حتى سنة أو غرامة حتى 200 دينار أو كلتاهما، مع إلزامه بدفع قيمة ما أتلفه وفق تقرير من وزارة العدل. تحذير عملي: على المحامي تنبيه موكله الموضوع تحت مراقبة إلكترونية بأن أي محاولة لتعطيل جهاز التتبع أو نزعه ستعرّضه لعقوبة جديدة وتشدد موقفه الجنائي. هذا النص جاء لضمان جدية امتثال المحكوم بشروط البديل وعدم التحايل عليه.
غاية التعديل ومقصد المشرّع: أراد المشرّع توسيع نطاق العقوبات غير السالبة للحرية لتقليل آثار السجن السلبية، خاصة على مرتكبي الجنح وصغار المجرمين. فالسجن قصير المدى قد يؤدي لاختلاط المحكومين المبتدئين بأصحاب السوابق في مراكز الإصلاح، مما يزيد احتمالية العودة للجريمة. البدائل كالخدمة المجتمعية والإقامة الجبرية تمنح المحكوم فرصة للإصلاح خارج السجن مع خدمة المجتمع والتعويض عن ضرره. كما تعكس توجه العدالة التصالحية بتشجيع الصلح وإسقاط الحق الشخصي كشرط لاستبدال العقوبة في جرائم الاعتداء على الأشخاص، مما يشجّع الضحية والجاني على التصالح. أيضًا، راعى المشرّع من خلال هذه البدائل البعد الاقتصادي والاجتماعي للمحكوم وأسرته؛ فبدل أن يفقد المحكوم وظيفته ويعاني أهله اثناء حبسه، يمكن أن يظل منتجاً تحت رقابة أو خدمة مجتمعه. وقد شددت التعديلات في المقابل على خطورة بعض الجرائم بمنع أي استبدال للعقوبة فيها (كالاغتصاب والإرهاب) حمايةً لأمن المجتمع.
الأثر القانوني: أصبح لدى القضاة سلطة تقديرية واسعة في تقرير البديل المناسب لكل حالة، مما يستوجب من المحامين إعداد مرافعاتهم بحيث تتضمن طلب البديل المناسب مدعوماً بتقرير اجتماعي إيجابي عن موكليهم. كما أن قرارات المحكمة بقبول أو رفض الاستبدال قابلة للطعن أمام محكمة الاستئناف، ما يمنح المحامي فرصة ثانية لإقناع جهة قضائية أعلى بجدوى البديل. على المحامين أيضاً الاطلاع على القائمة الواردة في القانون للجرائم المستثناة من الاستبدال لضمان توقع قرارات المحكمة: فمثلاً في جناية مخلة بأمن الدولة لا جدوى من طلب البديل. بالمقابل في جنحة إيذاء بسيط مع إسقاط حق شخصي، يبرز للمحامي الدفع بقوة نحو البديل لأن القانون يسمح بذلك.
النقاط العملية للمحامين: عند دفاعك عن متهم بجنحة أو جناية صغيرة، اطلب من المحكمة أمرين: (1) تكليف مكتب الخدمة الاجتماعية بإعداد تقرير عن حالة موكلك الاجتماعية وظروفه (الأسرة، العمل، السلوك)، (2) تأجيل إصدار الحكم لحين تقديم التقرير. تقرير الحالة بات ضرورياً لتطبيق البدائل بحسب القانون. كذلك احرص على جمع أي إثبات لحسن سيرة الموكل (شهادات حسن سلوك، إبداء الندم، تصالح المجني عليه) لإقناع القاضي باستبدال السجن. وأخيراً، تأكد من شرح البديل لموكلك وموافقته الخطية عليه في محاضر المحكمة، لأن موافقته شرط لازم قانوناً لتنفيذ البديل.
مراجع ذات صلة: قرار مجلس الوزراء وأسباب المشروع الموجبة أوضحت الفلسفة وراء هذه البدائل. كما أن قانون مراكز الإصلاح والتأهيل رقم 9 لسنة 2004 يُنظّم بعض جوانب تنفيذ العقوبات (مثلاً مادة خاصة بالإقامة المنزلية قد تصدر بنظام). ويمكن الاسترشاد بتجارب دولية منصوص عليها في قواعد الأمم المتحدة للاعتقال البديل (قواعد طوكيو) والتي تنتهج نهجاً مشابهاً.
تعديل المادة (52) فقرة (2): أثر إسقاط الحق الشخصي بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية
نص التعديل: تم إلغاء نص الفقرة (2) من المادة 52 من القانون الأصلي واستبداله بنص جديد يهدف إلى معالجة حالة ما بعد صدور حكم قطعي في جنحة متوقفة على شكوى. وينص التعديل (بتصرف) على ما يلي:
• إذا كان موضوع الدعوى إحدى الجنح التي تتوقف الملاحقة فيها على شكوى وكان الحكم قد صدر واكتسب الدرجة القطعية ثم قام المتضرر بإسقاط حقه الشخصي أو التصالح مع المحكوم عليه، يجوز للمحكمة بناءً على طلب المحكوم عليه أن تأمر بوقف تنفيذ عقوبة الحبس وتحويلها إلى غرامة على أساس أربعة دنانير عن كل يوم حبس متبقي. ويُشترط لذلك عدم تحقق حالة التكرار في الجريمة (أي ألا يكون المحكوم من أصحاب السوابق الواردة في 101-103 عقوبات).
• الجنح المقصودة هنا هي تلك الواردة حصراً في نص الفقرة (2) من المادة 52، والتي تشمل الجرائم التي نص القانون صراحة على توقف ملاحقتها على الشكوى أو الادعاء بالحق الشخصي (مثل الذم والقدح، الإيذاء البسيط، إساءة الأمانة بين الأزواج أو الأقارب…). التعديل الجديد أضاف قائمة بهذه الجنح في النص لضمان الوضوح. أمثلة: جرائم السب والشتم المنصوص عليها في المواد 364 وما بعدها، أو جنحة سرقة بين الأصول والفروع. في هذه الجرائم إذا صدر حكم حبس نهائي ثم تنازل صاحب الشكوى، يمكن تحويل ما تبقى من الحبس إلى غرامة.
الغاية من التعديل: سد هذا التعديل فراغاً تشريعياً؛ فقبل 2025 إذا صفح المجني عليه بعد صدور حكم قطعي، لا تأثير قانوني للصفح وبقي الحبس واجب التنفيذ (إلا بطريق خاص كالعفو أو الإسقاط العام). الآن، أصبح الصفح أو إسقاط الحق الشخصي حتى بعد الحكم النهائي مؤثراً، إذ يوجب تخفيف العقوبة من الحبس إلى الغرامة. هذا يتماشى مع روح التصالح ويحقق العدالة التصالحية التي تسعى لإرضاء المجني عليه وجبر الضرر المالي بدلاً من سجن الجاني دون فائدة تعود على الضحية. أيضا يمنع التعديل تكرار استفادة أصحاب السوابق من هذا التساهل، مشترطاً أن لا يكون المحكوم مكرراً كما سبق ذكره.
الأثر القانوني: أصبح بإمكان المحامين التقدم بطلب إلى المحكمة التي أصدرت الحكم النهائي لوقف تنفيذ الحبس إذا أبرزوا للمحكمة ما يثبت حصول الصلح أو الإسقاط. المحكمة مختصة عندئذ بتحويل العقوبة إلى غرامة (4 دنانير عن كل يوم حبس متبقي). هذا يوفر على المحكوم بقية مدة سجنه، ويوفر على الدولة تكاليف حبسه، ويستجيب لرغبة المجني عليه الذي عفا عنه. تجدر الإشارة إلى أن قرار المحكمة في هذه الطلبات قابل للطعن أيضاً إن صدر بالرفض، ما يتيح درجة تقاضٍ إضافية.
نصيحة للمحامين: حتى بعد خسارة الاستئناف وصدور حكم قطعي بالسجن، إذا نجحت في إقناع الضحية بالتصالح أو قبول التعويض، سارع إلى توثيق إسقاط الحق الشخصي وتقديمه مع طلب خطي إلى رئيس المحكمة أو قاضي تنفيذ العقوبة، استناداً لنص المادة 52 المعدلة. بهذا قد تنقذ موكلك من دخول السجن أو تقلص مدته بشكل كبير. ولا تنسَ حساب مبلغ الغرامة البديلة المستحق وإرشاد الموكل لتوفيره (مثلاً: بقي 30 يوماً = 120 دينار غرامة).
مراجع ذات صلة: المادة 52 الأصلية (قبل التعديل) تسقط الدعوى الجزائية قبل صدور الحكم القطعي فقط. وكذلك المادة 54 مكرر (المذكورة تالياً) تختص بوقف التنفيذ في الأحكام غير المكتسبة القطعية؛ فالتعديل الجديد يكمل المنظومة لمعالجة ما بعد القطعية. هناك اجتهادات قضائية سابقة عديدة حول أثر إسقاط الحق أثناء المحاكمة، يمكن مقارنتها بالوضع الجديد بعد الحكم.
تعديل المادة (54 مكررة): وقف تنفيذ العقوبة بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية
نص التعديل: تناول القانون المعدل المادة (54 مكررة) المعنية بوقف تنفيذ عقوبة الحبس (وقف التنفيذ المشروط) وأدخل عليها إضافتين رئيستين:
• إضافة الفقرة (2): أصبحت المحكمة تملك صلاحية جديدة تقضي بأنه على الرغم من شرط مدة الحبس سنة فأقل المنصوص عليها لوقف التنفيذ في الفقرة (1)، لها أن تأمر بوقف تنفيذ العقوبة حتى بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية إذا تحقق الصلح مع المجني عليه أو إسقاط الحق الشخصي أو دفع قيمة التعويض المدني المحكوم به. أي إذا انتهت القضية بحكم نهائي بالسجن وجاءت ظروف التصالح لاحقاً، يمكن إطلاق سراح المحكوم ووقف تنفيذ ما تبقى من حبسه. هذا طبعاً مع مراعاة عدم كون المحكوم مكرراً (مماثل لشروط أعلاه). تطبيق: في قضية ضرب حصل المجني عليه بعد الحكم على التعويض وكتب إسقاطاً، يجوز وقف ما تبقى من حبس الجاني حتى لو الحكم نهائي.
• إعادة ترقيم الفقرات (2) إلى (5) لتصبح (3) إلى (6): نتيجة إضافة الفقرة الجديدة، أعيد ترقيم باقي فقرات المادة تلقائياً. الفقرات الأصلية تشمل شروط وإجراءات وقف التنفيذ ومدته (كانت 3 سنوات اختبار) وإلغائه في حال ارتكاب جرم جديد وغيرها، وجميعها بقيت كما هي لكن بأرقام مختلفة الآن.
• إضافة الفقرة (7): نصّت على أن القرارات الصادرة في طلبات إيقاف تنفيذ العقوبة أو إلغائه قابلة للطعن وفق الأصول والمواعيد. أي إذا قُدم طلب وقف التنفيذ بعد الحكم النهائي وقاضي التنفيذ (أو المحكمة) رفضه، يحق للمحكوم الطعن بهذا القرار أمام محكمة الاستئناف ضمن المدة القانونية. كذلك إذا قُبل الطلب واعترضت النيابة، فلها الطعن. وهذا تكريس لمبدأ التقاضي على درجتين في مسائل كانت تعدّ تنفيذية سابقاً.
غاية التعديل: يعكس هذا التعديل مرونة أكبر في تنفيذ الأحكام وتأثّرها بالتصالح اللاحق حتى بعد الفصل في الدعوى نهائياً. فالمشرّع يريد تشجيع الجاني على إصلاح فعله بتعويض الضرر وإرضاء الضحية، مقابل منحه فرصة لإعفائه من العقوبة السالبة للحرية حتى في مرحلة التنفيذ. وهذا يتسق مع السياسة الجنائية الحديثة التي ترى أن الغاية من العقوبة تحققّت بالصلح فلا حاجة لاستمرار الحبس انتقاماً. أما جعل القرارات قابلة للطعن، فمن أجل ضمان الرقابة القضائية ومنع أي تعسف أو خطأ في تقرير وقف التنفيذ من عدمه، نظراً لأهمية هذه القرارات على حرية المحكوم.
الأثر القانوني: صار بإمكان المحكومين الذين فاتتهم مهلة الاستئناف أو خفض العقوبة اللجوء إلى ملاذ أخير وهو طلب وقف التنفيذ إذا تغيرت الظروف بصالحهم (كحصول مصالحة أو عفو خاص من المجني عليه). وأصبح القرار بشأن طلبهم يحوز حجية أقل نهائية كونه قابل للاستئناف. عملياً، سيشهد المحامون جلسات أمام محكمة الاستئناف مخصصة للنظر في طعون النيابة أو الدفاع حول وقف التنفيذ. وينبغي الاستعداد لها بحجج قوية حول سيرة المحكوم خلال التنفيذ (حسن سلوكه، ظروف إنسانية طرأت كمرضه أو إعالة عائلته، إلخ).
نصيحة للمحامين: إذا صدر حكم نهائي بسجن موكلك ولم تنجح في إقناع محكمة الموضوع بوقف التنفيذ (وفق الفقرة 1 التقليدية) أثناء صدور الحكم، فلم يعد الأمر منتهياً. راقب ظروف القضية: هل سامح المجني عليه لاحقاً؟ هل دفعت التعويضات المدنية كاملة؟ هل مضى المحكوم فترة بالسجن وأثبت خلالها حسن سلوك؟ جميعها عوامل يمكن أن تسوّغ التقدم بطلب جديد لوقف التنفيذ استناداً للنص المستحدث. قدّم الطلب معللاً بهذه الأسباب مرفقاً بالمستندات (تقرير إصلاح وتأهيل عن سلوكه مثلًا)، وإذا رُفض فاستأنفه فوراً خلال المدة (7 أيام من قرار الرفض كإجراء مستعجل مثلاً، حسب الأصول).
مراجع مرتبطة: المادة 54 مكرر الأصلية (قبل التعديل) كانت تقيّد وقف التنفيذ بالأحكام التي لا تتجاوز سنة حبس عند النطق بالحكم. التعديل وسّع ذلك لما بعد الحكم. كذلك ترتبط بهذه المادة نصوص العفو الخاص (المادة 51 من الدستور تمنح الملك حق إسقاط العقوبة أو تخفيضها) ولكن هنا صار للقضاء دور في ذلك ضمن إطار التصالح. وينبغي مراجعة المواد (100) إلى (103) عقوبات في تعريف التكرار، إذ أن شرط عدم التكرار منصوص عليه لضمان أن المستفيد من الوقف اللاحق ليس من معتادي الإجرام.
تعديل المادة (72): جمع العقوبات وتخفيضها عند التصالح + قابلية الطعن
نص التعديل: تناولت المادة (72) تنظيم اجتماع العقوبات (أي كيفية تنفيذ عقوبات متعددة على نفس المحكوم). وقد أدخل التعديل تغييرات بارزة:
• إلغاء نص الفقرة (2) واستبدالها: الفقرة (2) القديمة كانت تتعلق بحالة صدور أحكام قطعية متعددة على شخص وكيفية جمعها (تنفيذ الأشد أو جمعها مع سقف معين). التعديل الجديد قسم هذه الفقرة وأضاف في سياقها حكما جديدا: إذا صدرت أحكام قطعية متعددة بالحبس على الشخص في قضايا جنحية واقترن بعضها بـإسقاط الحق الشخصي في جميعها، تنفّذ العقوبة الأشد فقط دون سواها. بمعنى آخر، إذا ارتكب عدة جنح وحُكم في كل منها بالحبس لكن جميع الضحايا أسقطوا حقوقهم، فلن يجمع عليه الحبس في القضايا مجتمعة بل يكتفي بأشد عقوبة من بينها. هذا تحفيز آخر للتصالح الشامل عند تعدد الجرائم. أما إذا لم يسقط الحق في إحداها على الأقل، فيمكن للمحكمة جمع العقوبات كالمعتاد ضمن الحد الأقصى (15 سنة للجنح).
• إضافة الفقرة (3): حددت إجراءات طلب تطبيق الفقرة (2) أعلاه، فنصت أن طلب جمع العقوبات أو تنفيذ الأشد منها يقدّم إلى المحكمة التي أصدرت آخر حكم أشد للفصل فيه. ويجب إرفاق ما يثبت عدم سبق جمع الأحكام سابقاً. هذا يعزز تنظيم آلية جمع الأحكام ويوزع الاختصاص بشكل واضح. للمحامي: عند وجود أحكام متعددة، عليك تحديد أيها الأشد والأحدث، وتقديم الطلب أمام القاضي الذي أصدره مرفقاً ببيان بالأحكام الأخرى ووضعها بالنسبة للإسقاط.
• إضافة الفقرة (5): قررت أن القرارات الصادرة في طلبات جمع العقوبات أو تنفيذ العقوبة الأشد قابلة للطعن وفق الأصول. وهذا اتساقاً مع النهج العام بجعل قرارات قاضي التنفيذ خاضعة لرقابة قضائية أعلى. بالتالي، لو صدر قرار بدمج الأحكام بشكل معين يمكن استئنافه من قبل النيابة أو المحكوم تبعاً لمصلحتهما.
(ملاحظة: أعيد ترقيم فقرات المادة 72 بعد هذه الإضافات، ولكن الأهم هو المضمون المذكور.)
الغاية من التعديل: سد ثغرات في تنظيم تعدد الجرائم والعقوبات. سابقاً، إذا تعددت الجنح بحق شخص وصدر بحقه أحكام متعددة، قد يُجمع عليه الحبس لسنوات طويلة حتى ولو سامحه جميع المتضررين. الآن، بتأثير التصالح، ينفّذ بحقه فقط الأشد، تحقيقاً لمبدأ الرحمة عند التصالح وتقليل العقوبة عند انعدام العداء مع الضحايا. كذلك جاء التعديل لتوضيح الإجراءات منعاً للاجتهادات المتضاربة حول “من هي المحكمة المختصة بجمع العقوبات”؛ فجعلها محكمة الحكم الأحدث. وأيضاً لضمان حق الطرفين في استئناف قرار الدمج لما له من أثر كبير (إما بإطالة المدة المجمعة أو تقصيرها)، صار القرار خاضعاً للطعن.
الأثر القانوني: أصبح المحكوم بأحكام عديدة في الجنح تحديداً لديه أفق لتخفيض مجموع ما سيقضيه بالسجن إذا تمكن من نيل إسقاطات حقوق شخصية في كل القضايا؛ إذ سيقضي فقط أطول حكم منها. وهذا يشجع على تعويض كل الضحايا وإرضائهم. من جانب آخر، التعديل يسهل للإدارات القضائية تنفيذ الأحكام بوضوح عبر قرار قضائي بدمجها بدلاً من اجتهاد مدير السجن. كما أن المحامين بات بإمكانهم الاعتراض على قرارات جمع غير عادلة (مثلاً لو قررت محكمة تنفيذ الأشد دون وجه حق، أو بالعكس قررت جمع غير صحيح) أمام محكمة الاستئناف.
نصيحة للمحامين: إذا كان موكلك يواجه عدة أحكام، حضّه على تسوية جميع القضايا ودياً. ثم تقدم بطلب جمع العقوبات وفق المادة 72 المعدلة مرفقاً بما يثبت تلك التسويات (إسقاطات رسمية). راقب بدقة حساب المدد: تأكد أن قرار الجمع النهائي لم يتجاوز السقوف القانونية (15 سنة للجنح). وإذا وجدت خطأً أو عدم إنصاف في القرار (كعدم احتساب إسقاطات حق شخصي معينة)، فسارع إلى استئنافه خلال المدة القانونية (وغالباً ما تكون 10 أيام من صدوره كونها أمر ولائي).
مراجع مرتبطة: المادة 72 قبل التعديل ورأي ديوان تفسير القوانين رقم (…). وكذلك قواعد جمع العقوبات في القانون المقارن (مثلاً القانون المصري يميّز بين الجرائم المرتبطة وغيرها). أيضاً قرارات لمحكمة التمييز الأردنية حول الجمع يمكن الاسترشاد بها، وإن كان التعديل الجديد قد يحل محل الاجتهاد السابق جزئياً. لا ننسى أيضاً الاطلاع على قانون أصول المحاكمات الجزائية الذي قد يرد فيه نص إجرائي متعلق بالطعن في مثل هذه القرارات.
الخاتمة
تميزت تعديلات قانون العقوبات الأردني لعام 2025 بشموليتها ومرونتها، إذ أدخلت أدوات حديثة في السياسة العقابية الأردنية توازن بين الردع والإصلاح. فمن جهة شددت على احترام سيادة القانون في الجرائم الخطيرة بمنع أي بدائل فيها، ومن جهة أخرى فتحت أبواب الأمل للمحكومين في القضايا البسيطة لتجنيبهم الآثار المدمرة للسجن قصير المدى عبر بدائل بناءة تعود بالنفع على المجتمع والمحكوم معاً. كما أولت أهمية لقدرة الضحية على المسامحة حتى بعد الحكم النهائي، فشرعت النصوص التي تترجم التسامح إلى إعفاء أو تخفيف.
على المحامين في ظل هذه التعديلات أن يكونوا أكثر دراية بالخيارات الجديدة المتاحة لموكليهم: كطلب تقسيط الغرامة بدل سجن الإكراه البدني، والتمسك ببدائل السجن منذ مرحلة المحاكمة، وحتى الاستفادة من التصالح اللاحق لوقف التنفيذ أو تحويل الحبس إلى غرامة. كذلك عليهم الانتباه لما استحدث من جرائم (كجريمة العبث بالأساور الإلكترونية) والعقوبات المرتبطة بها لتحذير موكليهم وتجنب تورطهم فيها أثناء تنفيذ البديل.
في المحصلة، تعكس هذه التعديلات توجهاً عصرياً في التشريع العقابي الأردني نحو عدالة إصلاحية تركز على إعادة التأهيل وخدمة المجتمع دون إخلال بحماية أمن المجتمع ونظامه العام. فهي تعزّز مبدأ أنسنة العقوبة وتخفيف الوصم الاجتماعي للسجين، وتوازن بين حق المجتمع في العقاب وحق الفرد في فرصة ثانية، تحت رقابة القضاء وضمانات القانون. وينبغي على كل عامل في الحقل القانوني – قاضٍ أو مدعٍ عام أو محامٍ – استيعاب روح هذه التعديلات وتطبيقها بحكمة لتحقيق الغاية المرجوة منها.
واخر دعوانا الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين