عروبة الإخباري –
في اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، يتجدد النداء الدولي لكسر الصمت حول أحد أبشع الجرائم التي تُرتكب في زمن الحرب.
جرائم غالبًا ما تحدث في الخفاء، بعيدًا عن الأضواء، وتفلت من العقاب، رغم فظاعتها والأثر العميق الذي تخلّفه في نفوس الضحايا والمجتمعات.
فالعنف الجنسي في النزاعات المسلحة ليس مجرد نتيجة عرضية للصراعات، بل هو أداة حرب ممنهجة تُستخدم لنشر الخوف، تمزيق الروابط الاجتماعية، وتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية على حساب الكرامة الإنسانية.
لقد بيّنت النزاعات المسلحة الحديثة، من رواندا والبوسنة إلى سوريا والعراق و السودان، أن العنف الجنسي يُستخدم بشكل ممنهج ومنظم كوسيلة للإذلال، وبث الرعب، وفرض السيطرة على المدنيين، مما يجعله أداة حرب لا تقل خطورة عن الأسلحة التقليدية.
ورغم أن النساء والفتيات يشكلن الفئة الأكثر عرضة لهذه الانتهاكات، إلا أن العنف الجنسي لا يوفّر الرجال أو الأطفال، ويترك آثارًا نفسية وصحية واجتماعية طويلة الأمد، لا تمسّ الضحايا المباشرين فقط، بل تطال النسيج المجتمعي برمّته، ما يجعله جريمة جماعية تتجاوز البُعد الفردي.
من الناحية القانونية، يُعدّ العنف الجنسي أثناء النزاعات المسلحة جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، وحتى جريمة إبادة جماعية، كما في قضية رواندا، عندما أقرّت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا أن الاغتصاب كان جزءًا من خطة إبادة ممنهجة، وبناءً على ماتقدم نص على ما ورد ذكره:
- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 7 و8)، حيث يُصنّف الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، الإكراه على البغاء، والحمل القسري ضمن الجرائم الأشد خطورة التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة.
- اتفاقيات جنيف لعام 1949، ولا سيّما الاتفاقية الرابعة، التي تحظر الاعتداء على الكرامة الشخصية، بما في ذلك المعاملة المهينة والمهينة جنسيًا.
- البروتوكولان الإضافيان لعام 1977، اللذان شدّدا على حماية المدنيين، وخاصة النساء، من العنف الجنسي بكافة أشكاله.
وتُحمّل هذه الأدوات القانونية الدول، والأطراف المسلحة من غير الدول، والأفراد المسؤولية المباشرة عن ارتكاب أو التساهل مع مثل هذه الجرائم، ما يستوجب تفعيل آليات التحقيق، المحاسبة، وجبر الضرر.
رغم وضوح الإطار القانوني الذي يحرّم العنف الجنسي في سياق النزاعات المسلحة—وفقًا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان—إلا أن الإفلات من العقاب لا يزال هو القاعدة لا الاستثناء.
فمعظم هذه الجرائم تُرتكب في الخفاء، دون توثيق، وإن وُثّقت نادرًا ما تُحال إلى العدالة، لا سيما في ظل انهيار أنظمة العدالة الوطنية في البلدان التي تشهد نزاعات، أو نتيجة التسييس الذي كثيرًا ما يطغى على آليات المحاسبة الدولية.
ورغم أن النصوص القانونية تُجرّم العنف الجنسي وتصفه بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة بين ما هو منصوص عليه وبين ما يُطبَّق على أرض الواقع.
إن الحاجة اليوم أصبحت أكثر إلحاحًا إلى آليات إنفاذ فعّالة، تتجاوز الإدانة اللفظية، وتُعطي أولوية لـ:
- ضمان المساءلة الجنائية للمرتكبين.
- تقديم الرعاية النفسية والطبية للناجيات والناجين.
- إعادة الدمج الاجتماعي بما يحفظ كرامتهم.
- مكافحة الوصمة التي تلاحق الضحايا وتضاعف من معاناتهم بعد انتهاء النزاع.
إن اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع لا يجب أن يُختزل في تكرار الإدانة الرمزية، بل يجب أن يُشكّل محطة لتجديد الالتزام الأخلاقي والقانوني بحماية المدنيين، والتأكيد على أن استخدام الأجساد كساحة حرب هو انتهاك صارخ للكرامة الإنسانية والقانون الدولي.