عروبة الإخباري –
غادة العريضي لا تُكرَّم… غادة تُحتفى بها كمنارةٍ في ليلٍ طويل، كقلبٍ بقي نابضًا في جسد إعلام أنهكه الانهيار، وكحرفٍ أبى أن يُدنَّس رغم كل محاولات الترويض والإغراء.
في أمسية حملت دفء الاعتراف، وتنهيدة الوفاء، لم تكن المناسبة مجرد احتفال، بل كانت لحظة انتصار لصوتٍ نقي، أنيق، وراسخ كالجبال.
في مدينة عاليه بلفتة من قبل جمعية كمال جنبلاط الفكرية، ارتفع اسم غادة العريضي عاليًا، كما اعتادت دائمًا، لا على أكتاف أحد، بل على كتفها وحدها… كتف امتلأ بحبر النضال، وبصبر السنين، وبكرامة لا تُشترى.
غادة ليست فقط مذيعة قديرة أو مديرة مخضرمة، بل امرأة تمشي وهي تجرُّ خلفها ذاكرة وطن، ومسيرة إعلام، وكرامة مهنة.
منذ عام 1994، لم تكتب حرفًا خائنًا، ولم ترفع صوتها إلّا بالحق، ولم تُرهن ضميرها لكرسي، أو حزب، أو ممول.
في زمنٍ غدا فيه الإعلام سلعة، وغابت فيه المبادئ خلف الستائر السوداء، كانت غادة تقول ما لا يجرؤ الآخرون على همسه.
كانت الصرخة الصامتة، والصوت العاقل، والأنثى التي لم يضعفها موقف، ولم تغرّها أضواء.
كانت السيدة التي حملت تلفزيون لبنان على كتفيها حين خانه الجميع، وظلّت تروي حكاية الصدق على شاشةٍ كادت تنطفئ.
وفي كلمتها، لم تكن تدافع عن نفسها، بل كانت تبكي حال إعلامٍ نزف كثيرًا، دون أن يجد من يضمد جراحه. كانت تتحدث لا من منصة تكريم، بل من أعماق قهرٍ جمعته على مدى ثلاثين عامًا، وهي تراقب كيف يُباع الموقف، وتُشترى الميول.
يا غادة، لا تكفيك الكلمات، ولا يليق بك إلا النور.
في زمن الرماد، كنت جمرة من نار.
وفي فوضى الشاشات، كنتِ البوصلة.
وفي عالم يقدّس العابر، كنتِ الثابت الذي لا يهتز.
وفي حضرة قاماتٍ فارغة، كنتِ القامة التي تقف، فترتفع معها المهنة.
تكريمك اليوم، ليس هدية… إنه اعتذار متأخر من وطنٍ لم ينصفك كما يجب، ووفاء من جمهورٍ يعرف تمامًا أن الصدق لا يموت.
غادة العريضي… ستبقين كما عهدناك:
صوتًا لا يصرخ ليُسمَع، بل يهمس ليوقِظ.
وقلمًا لا يلمّع، بل يكشف.
ووجهًا لا يركض خلف الكاميرا، بل يجعلها تأتي إليه.