قد تكون إحدى السيناريوهات الجديدة في المنطقة أن تستمرّ الحرب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة والكيان الصهيوني مع ارتفاع وتيرة الدعم الأمريكي والأوروبي، وربّما بتدخّل مباشر أمريكي أو تحالف ترأسه أمريكا في مرحلة متقدّمة من الحرب لتوجيه الضربات القاضية لمقدرات إيران العسكرية، على غرار تدخلها في نهاية الحرب العالميّة الثانية لإنهاء الحرب وجني المكاسب، وهذا من شأنه أن يحوّل الكيان الصهيونيّ إلى القوة الرئيسية والوحيدة المُسيطِرة والمهدِّدة في المنطقة، بما يسمح للولايات المتّحدة الأمريكيّة باستمرار ابتزاز كافة دول المنطقة دون الحاجة إلى صفقات السلاح أو عقود الحماية الأمنية، إذ تتحول هذه الصفقات إلى صكوك إذعان تضمن بموجبها الولايات المتحدة الأمريكيّة استتباب الأمن في هذه الدول أو عدم سقوط العروش وأنظمة الحكم فيها من خلال ضبط الشهيّة والجموح الإسرائيلي دون أن يعيق ذلك من طموح إسرائيل بدولته الكبرى.
هذا السيناريو يعني أنّ نظام الحكم الحالي في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة يجب أن يسقط، وأن يعود إلى الواجهة نظام الشاه الذي بدأ يسوّق له الكيان مؤخراً، فضرب المفاعلات النوويّة الإيرانيّة دون تغيير شكل الحكم لا يعني إطلاقاً القضاء على البرنامج النووي الإيراني الذي يتوجّسه الكيان بشكل أساسيّ، فالبرنامج فكرة وأدمغة وعمل سرّي متكامل، وقصف المفاعلات النووية قد يقضي على بعض هذا البرنامج ولكن فكرة استمراره ستبقى باقيّة طالما استمرّت القيادة الإيرانيّة الحاليّة.
كما هو معترف به في عالم التسلّح، فإن السلاح النووي هو سلاح ردع، فالدول النوويّة تتجنّب الصدام مع بعضها لأنّ أيّ صدام سيحمل النهاية ليس فقط للطرفين المتحاربين، بل أيضاً لمناطق واسعة محيطة بسبب عدم القدرة على ضبط تأثيرات الأسلحة النووية الإشعاعيّة، وهذا يعني أنّ امتلاك الجمهوربّة الإسلاميّة الإيرانيّة للسلاح النوويّ يحتّم أنّ تمتلكه المملكة العربيّة السعوديّة أيضاً لتحقيق حالة الردع، وهذا ما لا تريده الولايات المتّحدة الأمريكيّة والكيان الصهيوني، وإن كان لأسباب مختلفة، فالكيان الصهيوني يريد أن يكون القوّة العسكرية المطلقة والوحيدة في المنطقة، وامتلاك إيران للسلاح النووي، سيعيق من استثمار الكيان الصهيوني في قوّته العسكريّة التقليديّة، لأنّ الرادع النووي سيبقى حاضراً، وهذا سيعيق من هيمنة أيّ من القوتين.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكيّة التي تبني سياساتها في المنطقة على مبدأ “Threat and Protection” أي “التهديد والحماية”، فهي حريصة على أن لا تصبح إيران دولة نوويّة لأنّ ذلك يعني أنّ المملكة العربيّة السعودية يجب أن تصبح دولة نوويّة أيضاً، وهنا يتحوّل عامل الردع إلى شكل مباشر بين المملكة العربيّة السعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة ممّا سيحدّ من قدرة الولايات المتّحدة على الاستثمار في الخطر الإيراني وحاجة دول المنطقة والخليج العربي بشكل رئيسيّ للحماية الأمريكية، وما يعنيه ذلك من صفقات سلاح و قواعد عسكريّة مدفوعة التكاليف وتبعيّة عسكرية وسياسيّة من دول المنطقة.
هذا يعني بالنسبة للولايات المتّحدة الأمريكيّة أمرين اثنين: إما إبقاء الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة كقوّة إقليمية بشكلِ نظامها الحالي بما يحافظ على معادلة “الخطر والحماية” واستمرار ضمان مصالحها القائمة، وهي السياسة التي اتبعتها مع صدام حسين بعد غزو الكويت، إذا فتحت له ممراً آمنا لخروج قواته وسلاحه من الكويت بما يبقيه قوّة مسيطرة على شعبه ومهدّدة للخليج، أو أن تُحدث الولايات المتحدة معادلة جديدة تبني فيها مصالحها على قدرتها على لجم شهيّة الكيان أو على الأقل إدارتها، بعد أن تمكّن الكيان الصهيوني من أن يصبح القوة الأولى والمطلقة في المنطقة بفعل ما بتلقاه من دعم أمريكي وغربيّ، وأن تبتزّ دول المنطقة بذلك، ولكن هل يمكن للولايات المتّحدة أن تضمن على المدى الطويل عدم تجاوز المارد الصهيوني للخطوط الحمراء الأمريكية!
بكلّ الأحوال نحن العرب لسنا أكثر من دول متفرّجة امتهنت الضعف والتبعيّة والولاء وأصبحت تتلذّذ بانتصارات الشماتة والنكاية.