كتب سلطان الحطاب –
كرمني وزير الثقافة، مصطفى الرواشدة، أمس، أن أبقاني معه لحضور لقائه مع الكتاب والصحفيين والمترجمين وكاتبي السيناريو والشعراء السوريين، الذين كانوا يقيمون في عمان طوال الأزمة التي أمتدت لعقدين من الزمن، قبل أن تنجح الثورة في كنس الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ونظامه، وذلك قبل عودتهم الى بلدهم سوريا، وقد اعطاهم الوزير بحضور مدير مكتبه، أحمد العون، وقتاً لشرح خلاصة تجربتهم في الأردن.
لقد استمعت من المجموعة التي تحدثت بين يدي الوزير، الى كلمات مؤثرة من الشكر والامتنان للأردن وقيادته، لمواقفه القومية والعروبية الوفية في التعامل معهم ورعايتهم، كجزء من التعامل مع السوريين الذين حطوا في الأردن نتاج سياسة التهجير والقهر والمطاردة من النظام السوري السابق، حين قال الوزير لهم نحن شعب واحد.
وكان وزير الثقافة الذي قبل التكريم على شكل درع خاص، نقشت عليه عبارة بالمناسبة تظهر عودتهم….، كما أهدي منهم كتباً أخذها حمل احدها عنوان «الطريق الى الزعتري»، المخيم الذي أقام فيه لاجئون سوريون، شمال المملكة.
كانت زيارتي لوزير الثقافة في المركز الثقافي الملكي، فرصة لأهديه كتابي عن «بيوت الأردن القديمة وقصصها» وكتابي عن «القدس العربية المسيحية» وهو مترجم الى الانجليزية.
وقد استمعت منه الى اهتمام كبير بالمكان وتاريخ المكان الأردني وثقافة المكان التي صنعتها الأجيال، وهو ما أدركت أنه يصب في الجهد الذي حملته سلسلة كتبي عن «هوية المكان» في عشرين كتاباً.
صحيح أن وزارة السياحة في اهتمامها ترويج المكان وتقديمه للزائرين والسائحين، ولكن الحلقة المفقودة، هي في ثقافة المكان وتميّزه والعودة الى استنطاقه تاريخياً ليقدم نفسه من خلال الحقب التي مرت، وهو ما يكّون تاريخ المكان وهويته، ونموذج ذلك ما كتبه الكاتب مفلح العدون في «بوح القرى».
بعد عشر سنوات من العمل في هذا المجال، أدركت بالممارسة أن الأردن ليس على الورق، وأن الكثير من تاريخه الهام لم يكتب، وخاصة تاريخ الحقب القديمة، أو لم يروج او يدخل المناهج والكتب المدرسية والجامعية، رغم أن عندنا أكثر من ثلاثين جامعة ومركزاً دارسياً، وأضرب على ذلك مثالاً موقع «فنان» على طريق البحر الميت مقابل الطفيلة، الذي يعرفه العالم ويدرسه كأقدم مكان اكتشف فيه تصنيع أدوات الطعام من المعادن المتوفرة في الطفيلة كالنحاس في حين أن المكان غير مذكور في مناهجنا ومعرفتنا العامة
مهمة وزارة الثقافة هامة وشاقة، وقد كشف الوزير الرواشدة، عن جوانب بدأت الوزارة وشخص الوزير، يوليها أهمية كبيرة في إعادة التعريف بثقافة المكان، وقد صبت زيارات الوزير المتتابعة وآخرها أمس في منطقة بني كنانة.
كلنا يعرف أن وزارة الثقافة لا تصنع ثقافة، وإنما ترعى وتتعهد وتسند الثقافة كإبداع والمثقفين كفاعلين ومبدعين، وتديم حواراً نافعاً لا بد أن يتواصل، وهذا الأمر غاب أحياناً كثيرة عن الوزارة في عهود سابقة، حين لم يكن هناك الاهتمام الكافي للوزارة ومن يتولى حقيبتها، إن كان مثقفاً أو معنياً بالثقافة أ ذ ان المنصب كان يتم على أسس أخرى.
لدى الوزير برنامج طموح، قد يحتاج الى كلف مالية، ربما لا يتوفر لوزارة كالثقافة، ظلت ميزانيتها محدودة، ولكن ما يعوض ذلك الجهد الذي يبذله الوزير والوزارة، في استنهاض همم العاملين معهم في المحافظات، وكذلك المثقفين والمؤرخين والكتاب، لإنجاز جزء كبير من هذه المهمة، وخاصة تلك التي تصب في أحياء المكان وفي تسويقه، وتمكين البعد السياحي له من الرواج والمردود الاقتصادي كمواقع سياحية.
لقد تبادر الى ذهني أن أعاود الكلام عن طريق الحج المسيحي الذي تتوفر مواقعه في الأردن، وضرورة إحيائه وجعله قابلاً لدوره في استقدام الحجاج له وسلوكهم عبره، وهو الطريق الذي يمتد من كنيسة القيامة في القدس والمهد في بيت لحم، ليصل الى المغطس على نهر الأردن من الجهة الأردنية ثم الى مأدبا ومكاور، حيث قتل يحيى المعمدان، ومن هناك الى أم الرصاص حتى برج الزعفران، وهو متفرع شمالاً ليشمل كنائس أم الجمال ورحاب، وهي كنيسة جورجس، وفي عجلون كنسية مار إلياس الشهيرة.
وهذا الطريق في موقعه الأساسي من المغطس حتى أم الرصاص لا يتجاوز الستين كيلو متراً، يمكن إحياء الطريق بمجموعة من الاستراحات والفنادق الصغيرة والمقاهي والمطاعم والعيادات المتنقلة، لنا ان نرى بعد ذلك كيف تحيا المنطقة وتزدهر وكيف يمكنها أن تتوهج كما حالة المغطس والكنيسة الشهيرة فيه، والتي زارها البابا فرنسيس الأول وباركها، وزارها الرئيس الروسي بوتين وكثير من القادة والزعماء، بعد افتتاح الملك عبد الله الثاني، لها وعناية مستشاره للشؤون الدينية، الأمير غازي بن محمد، وبعد الدور الكبير من الدعم والرعاية من جانب رجل ?لأعمال نديم المعشر واهتمام دوائر التاريخ والآثار في الجامعة الهاشمية، ودور الدكتور محمد وهيب المميز الذي شاركني في كتابي عن أم الرصاص، من خلال طلابه في الدراسات العليا.
دور وزارة الثقافة كبير وخطير، والاستثمار في الثقافة، هو استثمار في الأمن والوعي والتقدم ودورها لا يقل أهمية عن وزارة الداخلية، أن كنا ندرك أهمية الثقافة في إعادة بناء الانسان وصياغته كما يقول الناقد العالمي «أرنست فيشر».