عروبة الإخباري –
هناك من يكتب بالكلمات، وهناك من يكتب بالحبر، وهناك من تكتب… بقلبها. تلك هي ميادة مهنا سليمان.
ليست مجرد كاتبة، ولا فقط شاعرة تُغويها القوافي والعبارات، بل هي امرأة تحمل وطنًا في صدرها، وحلمًا في راحتيها، وقلمًا يشبه نَبضها. عندما تقرأ لها، لا تشعر أنك أمام نص، بل كأنك تمسك بيدها وتُصغي لسرٍّ صغير، تُخبرك به وسط ضجيج العالم.
في قصائدها، لا تتزين اللغة ببلاغة متكلّفة، بل تنقّي نفسها لتليق بالحب، تتهيّبُ من الألم، وتُحسن الإصغاء للفرح حين يمرّ خجولًا في زمننا المكسور. في ديوانها “عناية فائقة للحب”، تُخيط الجُرح بالكلمات وتفتح نوافذ للندى وسط جدران القلب المغلقة. وفي “تبًّا للقرنفل الأحمر”, تكتب للحنين كما يُكتب للغائب الذي ما عاد صوتُه يُسمع، لكن لا يغادرنا أبدًا.
أما في سردها القصصي، فهناك طزاجة، وهناك دهشة. كلّ قصة تشبه أنفاس الصباح الأولى، نقية، حقيقية، تقطفها من قلب امرأة تعرف أن التفاصيل الصغيرة تصنعنا، وأن العصافير، مثل البشر، تحتاج أحيانًا لمن يُقنعها أن تطير، لا أن تُحبس في قفص الواقع.
كأنها خُلقت من نُور الشام وشغف اللغة، تنسج من الحياة شالًا دافئًا للكلمة، وتُربّت على كتف الأدب بلُطف المعلّمة التي ما فقدت أبدًا قدرتها على الحُلم، رغم كل هذا الخراب. تدير مدرسة، نعم، لكنها أيضًا تُدير صفوفًا من المشاعر، تُعلّمنا أن لا نخجل من دموعنا، أن نكتب، أن نحبّ، أن نكسر صمتنا.
ميادة ليست فقط صوتًا أدبيًا، بل ضميرٌ لغويٌّ يقظ، وحسٌّ أنثويٌّ مُرهف، وذاكرةٌ تُحسن الحنين دون أن تُرهق الحاضر. كتاباتها مثل صلاة أمّ، مثل نشيد حبّ، مثل رسالة لم تُرسل بعد لكنها تعيش في الجوارير السرية لكل من أحبّ وخسر، أو كتب وانتظر.
ميادة سليمان تُعلّمنا الصمت الذي يُولد الشعر، والعمق الذي لا يحتاج صراخًا ليُثبت وجوده.
تحية لقلبٍ يكتب، ولسيدة تُربّي الحرف كما تُربّى الروح: برفق، وبشغف، وبحُبّ لا يُنسى.