اعتبرت الأمم المتحدة عرقلة وصول الغذاء وقتل المدنيين في غزة جريمة حرب، وهو تصريح يكشف أبعادا قانونية وإنسانية وسياسية بالغة التعقيد حول الجرائم التي تُرتكَب ضد الفلسطينيين.
قانونيا، يشكل الحصار الإسرائيلي انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، فاتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول يحظران استخدام التجويع كسلاح حرب ويعتبران العقاب الجماعي جريمة، كما يجرم نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التدمير المتعمد لسبل العيش، وهو ما تَمثل في تدمير 22% من الأراضي الزراعية و70% من أسطول الصيد بغزة، وقد أكدت محكمة العدل الدولية في قرار تمهيدي على إلزامية منع الإبادة الجماعية، بما في ذلك حماية المدنيين من الجوع.
إنسانيا، وصلت الكارثة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يواجه 80% من سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة مجاعة أو جوعا كارثيا، كما أدى الحصار إلى انهيار النظام الصحي؛ إذ سُجلت وفيات للأطفال بسبب الجفاف وسوء التغذية، وانهارت المستشفيات بنقص الوقود، وتم استهداف طالبي المساعدات بشكل متكرر، كما في حادثة دوار النابلسي التي قُتل فيها 104 مدنيين أثناء انتظارهم شاحنات الغذاء، وقد نزح 1.9 مليون شخص مع تدمير 60% من المنازل، مما جعل الأمم المتحدة تصف غزة بأنها “غير صالحة للسكن”.
سياسيا، تكشف الأزمة ثلاث إشكاليات رئيسية: أولا، استمرار الإفلات من العقاب رغم قرارات الأمم المتحدة، بدعم وحماية حكومات غربية خاصة عبر الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن. ثانيا، تواطؤ دولي عبر تبنّي خطاب “الأضرار الجانبية” لتبرير القتل الجماعي للمدنيين، وتأخير المساعدات تحت ذرائع أمنية. ثالثا، فشل الدبلوماسية الدولية في فرض وقف دائم لإطلاق النار، بينما تتصاعد الدعوات لمحاكمات دولية لمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
بعد تصريح الأمم المتحدة الذي يعد أكثر من إدانة؛ خاصة وأنه يؤكد أن هذه الانتهاكات تقوض النظام الدولي الذي يُفترض أنه قائم على القيم الإنسانية، ألم يحن الأوان لأن يتحرك الضمير الإنساني بشكل جاد لمحاسبة دولة الاحتلال الصهيوني على جرائمها التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني عبر المحكمة الجنائية الدولية، أم إن القانون الدولي وتضامن المجتمع الدولي مع الشعوب التي تتعرض للإبادة لم يعد خيارا في هذه الحالة؟ في ظل كل هذا الإجرام الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، أليس من الواجب إعادة تعريف حدود الحرب والإنسانية في القرن الحادي والعشرين؟
خلاصة القول؛ إذا لم يتم تطبيق العدالة الدولية على الجميع بميزان ومقاييس ومعايير موحدة، سيظل السلام وهما، وسيبقى العالم شريكا في جريمة تاريخية لا تُغتفر ضد الإنسانية.
حرمان غزة من الغذاء.. حدود الحرب والإنسانية* د. خالد الشقران
2