كتب سلطان الحطاب
ذكريات مُغْبشّة!! وحرب تلد أخرى، والسلام فقاعات لم تصمد.
كان الخامس من حزيران عام 1967، في يوم الاثنين كنا نعود من المدارس ونمضي عطلة الصيف، كان الفلاحين يعودون بحصادهم الى الحقل (الجرن) ليضعوه عليه حتى يأتي يوم (الدراس).
كان في السماء غيم على غير العادة، في مثل ذلك الشهر، وكانت الأجواء متوترة والأكثرية من الناس تحمل راديو الترانزستور الصغير الذي كان منتشراً، لأن الأخبارتتسابق، فعبد الناصر اغلق الممرات البحرية في البحر الأحمر في تيران والجيش السوري حشد في الجولان، والملك الحسين رحمه الله حط في القاهرة ليوقع اتفاقية الدفاع المشترك مع عبد الناصر، بعد جفاء في العلاقات سبقت ذلك.
كانت الناس مشدودة ومعنوياتهم مرتفعة وهي تستمع للأهازيج وتذكر القاهر والعابر من الصواريخ المصرية وتنتظر تعليق أحمد سعيد في صوت العرب، قبل أن تبدأ أم كلثوم في وصلتها الغنائية عصراً في اذاعة العدو وتصدح في الاذاعات العربية باغنية (والله زمان يا سلاحي) واغنية “الى فلسطين خذوني معكم”، أصبح الآن عندي بندقية.
أيام صعبة وساعات صعبة، ماذا نصدق، النشرة المصرية التي تقول إن طائرات العدو تتساقط كالذباب أم الأخبار عن تقدم للجيش الاسرائيلي.
في اليوم الثالث من المعركة،
كنا نعود من المدرسة من الطريق الذي تمر من أمام معكسر للجيش الأردني، كان اسمه معكسر المجنونة، على طريق الخليل الظاهرية، جنوب مدينة دورا، كنا ثلاثة من الطلاب، لم يكن في المعسكر أحد، ويبدو أن قصف ليلة سابقة،قد اصاب المعسر. الذي أخلاه الجنود
تجرأنا ودخلنا المعسكر كان من بيوت جاهزة شبيهة بالمخيم، عثرنا على بنادق واتفقنا ان ناخذها إن وجدنا أحداً، كنا نرغب في المشاركة، وكنا قد تلقينا تدريبات في المدارس من جنود في الجيش عبر المنهج المدرسي.
كانت بنادق قديمة ومن ذات الطلقات الخمس كنا نمّر على هذا المعسكر يومياً من أمامه، في الطريق الى المدرسة واذكر أنه بعد معركة السموع التي هاجم الاسرائيليون فيها البلدة وهدموا بيوتاً وقتلوا مواطنين، واشتبك معهم طيارون أردنيون أبطال واستشهد الطيار الملازم موفق بدر السلطي، والشهيد الرائد محمد الهباهبة، وآخرين أتذكر بعد تلك المعركة في 13 / 11 / 1966، قام طلاب المدرسة بزيارة بلدة السموع، التي اصابها تدمير لأن اليوم الثاني كان عطلة لنا بمناسبة عيد جلالة الملك الحسين في 14/11
بعد معركة السموع، حشد الأردن قواته في الضفة، وأذكر أننا اصطففنا أمام المعسكر حين وصلت كتيبة من الدبابات الأردنية المحمولة على الشاحنات وبدأنا نصفق، كان في المقدمة جيب عسكري، ترجل منه ضابط يحمل أوسمة ونياشين، طويل القامة أسمر البشرة، وقد لوح له الواقفون وصفقوا وعيشوا للملك، فسألت أحد الضباط الواقفين، من يكون هذا؟ فقال إنه الأمير زيد بن شاكر، قائد الكتيبة يومها رأيت الأمير وذكرته بالحادثة حين كان رئيس وزراء في مكتبه.بعد سنوات
دخل الجيش الاسرائيلي بعد أيام قليلة ودخلت الدبابات الى الموقع، وقد رأيناها وحين اقتربت، كانت تبث أغاني باللغة العربية، فاعتقدنا أنها من الجيوش العربية، لنفاجأ أنها تحمل جنوداً اسرائيليين تحدثوا العبرية.
بدأت الهزيمة تدب في نفوسنا، نحن الشباب الصغار في العشرينيات، ووجدنا أنفسنا عاجزين عن فعل أي شيء، ومضت الأيام وتكررت الذكرى وما زالت تهل في الخامس من حزيران ما زال يحدونا الأمل أن نعود الى القدس التي اقتحمها بعد الخامس من حزيران موشي ديان وزير الحرب الاسرائيلي بصورة مستفزة ما زالت قائمة حتى اليوم.
لم يكن للأردن خيارات، ليختار خوض الحرب من عدمها، ومضى وكأنه يقول، (إذا انجنوا جماعتك عقلك ما ينفعك، )وكانت الهزيمة التي ما تزال آثارها حتى الآن