كتب سلطان الحطاب
أثارت زيارة الملك التفقدية للجفر رغتبي في مراجعة تاريخ المكان أرضا وتاريخا وحضارة، فقد وصل الملك الى دارة الشيخ فارس مسند حرب أبو تايه، وكان في اسقباله من الشيوخ خالد أبو تايه وصالح رحيل وفياض سعود وإبراهيم محمد وزيد زقلوب وفواز مليحان ولافي أبو تايه ونواف أبو تايه ورئيس البلدية حسن الدماني، وجمع من المواطنين الذين رحبوا بجلالته واحتفلوا وأعلنوا سرورهم ومودتهم وشكرهم للزيارة، فقد ظل الملك يولي المكان باهتمامه.
في المنطقة كان سجن الجفر الرهيب الذي اغلقه الملك عبد الثاني في بداية عهده وحوله الى مركز التدريب المهني، وما زلت أذكر أنني ومجموعة من الصحفيين زرنا السجن في تلك المناسبة، إذ أطلق منه سجناء سياسيون، شيوعيون وبعثيون، وذوي انتماءات أخرى، وكان الملك الحسين من قبل ومع قيام الحياة الديمقراطية عام 1989، قد أمر باطلاق سراح بعضهم وامر بتعطيل المادة (هاء)عشية الانتخابات النيابية وسمح للعديد منهم أن يخوضوا الانتخابات ومنهم، المرحوم عيسى مدانات ويعقوب زيادين وغيرهم.
كان السجن قائما منذ عام 1953، الى ان أغلقه الملك عبد الله، بعد زياة المركز الوطني لحقوق الانسان، بأمر منه وتحويله الى مركز للتدريب المهني.
وعلى ذكر الجفر، كان هناك من السجون القاسية، سجن السلط المركزي، الذي أقيم في العهد العثماني عام 1867، وسط مدينة السلط قرب موقع البلدية، وكانت بريطانيا المحتلة للأردن بعد الحرب العالمية الأولى، تسجن فيه أحرار الاردن، وكان يرسل اليه الأردنيون الذين يعترضون على وعد بلفور وتقسيمات سايكس بيكو وبناء المستوطنات الناشئة في الأغوار الشمالية، حيث الأردنيين يناضلون ببساله ومنهم الشهيد كايد مفلح العبيدات وغيره.
وعن سجن السلط، يذكر أن الأمير عبد الله الأول، زار اربد في أول زيارة له عام 1926، وقد شهد عند وصوله اجتماعا على وليمة، فلما وصل رحب به صاحب الوليمة، سالم الهنداوي، وقال له تفضلوا على المقسوم يا سمو الأمير والذي كان يرافقه ضباطا منهم انجليز، وبعد أن شهد الأمير المناسبة، ووجدا أنها مناسبة مولود لسالم الهنداوي عام 1926، اسماه (ذوقان) الشخصية الوطنية لاحقا وصاحب كتاب القضية الفلسطينية في المناهج الأردنية.
وقبل مغادرة الامير للمناسبة، تقدم سالم الهنداوي لوداعه ومعه المؤرح الروسان، وقال الهنداوي للأمير، (داخلين على الله وعليك ياسمو الأمير) أن تأمر بإطلاق سراح أولادنا من سجن السلط المركزي، فقد سجنهم الانجليز، فقال الأمير (عين خير) وبعد أيام أطلق سراح بعضهم وبقي البعض الاخر، فقد كان الانجليز قساة، يمنعون أنفسهم عن أي محاولات عبور الى ارض فلسطين لمهاجمة المستوطنات الناشئة (الكبانيات) كما كان يسميها الناس، واستمر سجن السلط الى فترة طويلة، وقد اغلق لسنوات طويلة، ويجري اليوم تحويله الى مشروع سياحي تنموي بعد أن وضعت?البلدية استثماراتها عليه.
وفي أوراق الروسان انهم طلبوا من
الأمير عام 1926، (اطلاق سراح أولادنا من يد الانجليز، في ذلك العام، ولكننا كنا أنا وسالم الهنداوي عام 1936، معصوبي العينين في طريقنا الى السجن في العقبة،) حيث كانت العقبة آنذاك منفى، ونفي لها الشاعر عرار مصطفى وهبي التل.
أغلق الجفر بامر من الملك عبد الله الثاني وحين رأيته آخر الثمانيات، وقد أغلق استغربت وضع حراسات عليه، فالسجين لا يستطيع أن يهرب، لأنه أن هرب سيهلك في الصحراء التي تترامى حوله وتجعل منه حصنا منيعا.
والعودة الى سجن السلط الرهيب، فقد سجن فيه، عودة أبو تايه، أحد مشاركي الثورة العربية الكبرى من منطقة الجفر، إذ في سنة 1921، قبض الإنجليز في تنسيق مع الفرنسيين على المجاهد السوري، ابراهيم هنانو، الذي لجأ الى الأردن في طريقه الى مصر للعلاج، وأودعوه سجن السلط ثم سلموه للفرنسيين في سوريا إذ كان محكوم لديهم بالاعدام، فقامت تظاهرات احتجاج في عمان تقدمها، عودة أبو تايه، الذي استدرجه الانجليز للقدوم على عمان، وفيها أطلق النار على فريدريك بيك، وجرحه في كتفه، وقبض على أبو تايه، واودع سجن السلط، إذ كانت عمان ما تزال ق?ية تخلو من المنشآت الحكومية، وفي السلط تقدم محمد علي العجلوني، وكان زميل عودة أبو تايه في الثورة العربية الكبرى، واستثار نخوة السلطيين الذين هجموا على السجن وأخرجوا أبو تايه، وجهزوا له فرسا وبندقية وأوصوه بالابتعاد بعد الغداء ووصل الى مضافة، مثقال الفايز، في أم العمد، وغادر بحراسة من بني صخر، ومن هناك غادر الى العراق ليلتحق بالملك فيصل بن الحسين في العراق.
وهذه السيرة تدعو للتأمل في صفحات من المواقف الأردنية التي تحدث عنها الدكتور، هاني العمد، في كتابه «أحسن من الربط».
ويبقى القول إن الاستقلال عام 1946 قد كنس الاستعمار وأعراضه من سجون وتعذيب وان السجون الرهيبة انذاك تحولت إلى مراكز تنمية..