عروبة الإخباري –
مرة جديدة، تظهر وزارة الاقتصاد اللبنانية، ومعها الجهات الرقابية الأخرى، عاجزة عن القيام بدورها الأساسي في حماية المواطنين من تغوّل التجار والموزعين، في ظل تفلت السوق وغياب أي إجراءات رادعة توقف مسلسل التلاعب بالأسعار.
الخلل بات بنيويًا. فغياب التشريعات الفاعلة، وعدم وجود عقوبات فورية ورادعة، يجعل دور مديرية حماية المستهلك أشبه بإجراء شكلي لا يرقى إلى مستوى الأزمة. محاضر الضبط تُسطّر ثم تُلقى في الأدراج، بلا نتائج ملموسة، وكأنها لإبراء الذمة لا لحماية الناس.
هذا الواقع ليس جديدًا. نذكر جميعًا مأساة العام 2021، حين كانت العائلات تبحث عن حليب لأطفالها، في وقت كانت فيه مستودعات الحليب المدعوم ممتلئة، تُخزَّن عمدًا بانتظار تهريبها أو بيعها في السوق السوداء. يومها، وعلى الرغم من الضبط والفضيحة، أُطلق سراح المسؤول عن المخزن دون محاسبة تُذكر. وكأن ما جرى لم يكن جريمة اقتصادية وأخلاقية بحق الشعب.
لكن الطامة الكبرى تتجاوز ذلك، حين نصل إلى ملف الدعم، ذاك الغلاف البراق الذي غُطّيت تحته سرقة ممنهجة لما يزيد عن 8 مليارات دولار من أموال المودعين. هنا لا يعود الحديث فقط عن وزارة الاقتصاد، بل عن تواطؤ منظّم شاركت فيه وزارات ودوائر مالية ومصرف لبنان، ضمن شبكة فساد ممنهج لم يُكشف حتى اليوم مصير الأموال ولا الجهات المستفيدة منها.
أما اليوم، فتعود الأزمة لتتكرّر: ارتفاع جديد في أسعار المحروقات، ما سينعكس حتمًا على أسعار السلع والخدمات في مختلف القطاعات، وسط صمت رسمي واضح وعجز عن التدخل لضبط الارتفاع أو تخفيف تداعياته. الوزارة، كعادتها، تقف متفرجة.
والسؤال الأهم: لماذا تلجأ الدولة إلى جيب المواطن دائمًا؟ بدلًا من فرض ضرائب عشوائية، لماذا لا تُقرّ خطة تشريعية واضحة لضبط استخدام المال العام؟ أين الإصلاحات في المصرف المركزي؟ لماذا لا تُمنع التسليفات العشوائية من الخزينة؟ ومتى يُفعل العمل الجدي لوقف التهرب الضريبي والجمركي الذي يستنزف المالية العامة سنويًا؟ أين ملف الأملاك البحرية والنهرية، ومَن يحمي المعتدين عليها؟
لبنان لا ينقصه التشخيص، بل القرار السياسي والجرأة في التطبيق. فلا رقابة بلا قضاء مستقل، ولا اقتصاد منضبط بلا دولة تملك القرار السيادي، ولا حماية للمواطن ما دامت الدولة بكل مؤسساتها شريكة في الجريمة.