بيل ترو* – (الإندبندنت) –
أعلنت لندن وأوتاوا وباريس أن عملية القصف العنيف الإسرائيلي الجديدة المسماة عربات جدعون “تهدد بانتهاك القانون الإنساني الدولي”.
***
هذا الأسبوع أيضاً، شد أصدقائي في غزة -وهم مدنيون استيقظوا يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 في حالة من الضياع والصدمة والخوف، شأنهم شأن باقي أصقاع العالم- الرحال وفروا مرة جديدة. وهذه هي المرة الثامنة.
قصفت إسرائيل المبنى المجاور لمنزلهم الأسبوع الماضي، فمزّقت جيرانهم إرباً -وهم نساء وأطفال هذه المرة أيضًا- ودفنتهم تحت مزيد من الركام. والآن، يصدر الجيش الإسرائيلي أوامر “إخلاء” جديدة وشاملة -وهي تعليمات خطيرة وغير منطقية في الواقع الكابوسي.
بسبب الحصار الإسرائيلي الشامل، يلاقي هؤلاء الأصدقاء مشقة هائلة لتأمين لقمة الطعام، ويضطرون في بعض الأحيان إلى استهلاك أطعمة متعفنة، ويعانون مشقة كبيرة في الحصول على مياه نظيفة، ويتكبدون صعوبات جمّة كذلك من أجل تأمين العناصر الغذائية المناسبة لطفلهم، وقد فقدوا العشرات من أفراد أسرتهم الممتدة، من دون أن يقترفوا أي ذنب ليستحقوا كل هذا.
في ظل هذه المعاناة الإنسانية التي لم تعش مثلها سوى قلة من الناس في هذا العصر، هدد قادة بريطانيا وكندا وفرنسا باتخاذ “تدابير ملموسة” ضد إسرائيل ما لم توقف عملياتها العسكرية المتجددة وترفع القيود الخانقة عن المساعدات الإنسانية.
وتعقيباً على هذا التهديد، شنّ السير كير ستارمر وديفيد لامي هجوماً لاذعاً في مجلس العموم على معاملة إسرائيل لغزة -واستخدما عبارات مثل “وحشي” و”خطير” و”لا يُحتمل أبداً”.
جاء هذا التدخل بعد يوم واحد من تعهد بنيامين نتنياهو بأنه “سيسيطر على كامل غزة”، واعتراف ناطق باسم الجيش الإسرائيلي، على نحو ينذر بالسوء، بأنه “ما من موعد نهائي بالضرورة” لوقف العدوان الجديد والعنيف والموسّع.
تم إحكام الحصار التام على كل المساعدات الإغاثية التي تدخل غزة، وبلغت الأمور مستوى من الحدّة جعل شبح المجاعة يحوم فوق رؤوس سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وفقاً لهيئة رصد الغذاء الدولية التابعة للأمم المتحدة. وبلغت تبعات الحصار درجة دفعت بـ”منظمة العفو الدولية” إلى اعتبارها “إبادة جماعية مستمرة”.
كما ناشدت أكبر مجموعة من ممثلي عائلات 58 محتجزاً ما يزالون داخل غزة نتنياهو أن يتوقف -ونبهوا إلى أن أحباءهم لن يعودوا سوى جثث هامدة في ظل هذا الحصار، إذا قيضت لهم العودة أصلاً.
يشكل البيان المشترك الذي أصدرته بريطانيا وفرنسا وكندا -بالإضافة إلى العقوبات البريطانية وتعليق محادثات التجارة- دليلاً على أن المجتمع الدولي قد نفد صبره من إسرائيل. وهو مؤشر إضافي إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته اليمينية المتطرفة يحوّلون إسرائيل إلى دولة منبوذة عالمياً.
أعلنت لندن وأوتاوا وباريس أن عملية القصف العنيف الجديدة المسماة عربات جدعون “تهدد بانتهاك القانون الإنساني الدولي”. وقال القادة الغربيون الثلاثة في بيان مشترك “لقد أيّدنا دائماً حق إسرائيل بالدفاع عن الإسرائيليين في مواجهة الإرهاب، لكن هذا التصعيد غير متكافئ أبداً”. وأضافوا أنه لا يسعهم أن يقفوا موقف المتفرج بينما يتابع نتنياهو “هذه الأفعال السافرة”.
وحتى الرئيس دونالد ترامب؛ أحد أقرب حلفاء إسرائيل، تجاهل نتنياهو خلال أول زيارة خارجية مهمة ومربحة قام بها إلى منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا، حين تعمّد عدم التعريج على إسرائيل. وبدلاً من ذلك، أبرم ترامب -وهو في الأساس رجل أعمال تعاقدي يروّج لنفسه على أنه رئيس سلام- صفقات بتريليونات الدولارات مع قادة دول الخليج. وتبجّح بحصوله على طائرة مجانية من قطر.
لم يمر هذا مرور الكرام في إسرائيل، حيث تتصاعد المخاوف من أن نتنياهو، الذي هاجم المملكة المتحدة وفرنسا وكندا، معتبراً أنها “تقدم جائزة عظيمة” لـ”حماس” على هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، يودي بشعبه معه إلى الحضيض.
وحتى في إسرائيل، صرح زعيم حزب “الديمقراطيين” المعارض، يائير غولان، مؤخرًا، بأن سلوك إسرائيل في غزة يهدد بوضعها على مسار التحول إلى “دولة منبوذة بين الدول، مثلما كانت جنوب أفريقيا في يوم من الأيام، إذا لم تعد إلى التصرف كدولة حكيمة”.
ونقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية اليومية التي تميل إلى اليسار، عن غولان، قوله: “الدولة العاقلة لا تشن حرباً على المدنيين ولا تجعل هوايتها قتل الأطفال، ولا تحدد لنفسها أهدافاً مثل طرد شعب”.
بطبيعة الحال، رفض نتنياهو هذه التصريحات معتبراً إياها “تحريضات جامحة”، ومعلناً أن الجيش الإسرائيلي هو “الأكثر أخلاقية في العالم”، وهذا بحد ذاته تصريح جامح لا اعتبار فيه لواقع لا لبس فيه.
لهذا، فرضت المملكة المتحدة عقوبات جديدة وعلقت المباحثات التجارية. لكن الساسة البريطانيين أرادوا بذل المزيد. ودعا موجز بحثي نشره مجلس العموم في كانون الثاني (يناير) الماضي، إلى أنه يجب عدم منح رخص تصدير الأسلحة سوى “في حال التأكد من عدم وجود أي خطر واضح لإمكانية استخدام الأسلحة لارتكاب أو تيسير انتهاك جدي للقانون الإنساني الدولي”.
بعد الثلاثاء، تفاقم الضغط من أجل إعادة النظر في رخص التصدير هذه مرة أخرى. وبموجب إحدى المراجعات الأخيرة في أيلول (سبتمبر) 2024، أعلن السيد لامي التعليق الجزئي لنحو 30 رخصة لشحنات أسلحة إلى إسرائيل. وشملت هذه الشحنات قطع غيار مقاتلات “أف 16″، وقطع غيار للمركبات الجوية غير المأهولة (المسيرات) وأنظمة بحرية ومعدات استهداف.
تبقى مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل ضئيلة مقارنة بمبيعات الولايات المتحدة وألمانيا، وهي تتقلص مع الوقت. ووفقاً لموجز بحث مجلس العموم، منحت الحكومة البريطانية رخصاً بقيمة 42 مليون جنيه إسترليني في 2022. بينما انخفضت قيمة الصادرات إلى 18 مليون جنيه إسترليني في 2023. وبعد ذلك، بين السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 و31 أيار (مايو) 2024، منحت الحكومة البريطانية لإسرائيل 108 رخص للسلع العسكرية وغير العسكرية.
ولكن، حتى بعد قرار التعليق في العام 2024، ما تزال هناك نحو 250 رخصة سارية المفعول، وقد تخضع للمراجعة أيضاً.
أصبح الغضب يعمّ العالم الآن، ما سيضاعف الضغط الصادر عن المملكة المتحدة وكندا وفرنسا على حلفاء مثل ألمانيا والولايات المتحدة؛ أكبر مورّدي السلاح لإسرائيل، كي تحذو حذوها.
على أي حال، يجرّ نتنياهو والمتطرفون اليمينيون في حكومته سكان إسرائيل إلى عزلة قد يتعذر عليهم كسر طوقها.
*بيل ترو Beltrew: كبيرة مراسلي الشؤون الدولية في “إندبندنت”.