عروبة الإخباري –
مقال تربوي ثقافي بقلم الشاعرة والكاتبة اللبنانية جسّي مراد
المحطّة الأولى: الطاولة
جلستُ كما أفعل كلّ مرة، أمام كومةٍ من الأوراق الصامتة.
ليست مجرّد أوراق… بل محاولات، وعيون تنتظر أن يُنصت أحد لها، دون صوت.
المحطّة الثانية: القلم الأحمر
أمسكته لا لأجل التصحيح فقط، بل لأبدأ حوارًا صامتًا بين عقلي وقلب تلميذ يحاول.
فالقلم الأحمر، في يدي، ليس أداةَ محاسبة… بل مرآةُ فهم.
المحطّة الثالثة: الورقة الأولى
حروفٌ مبعثرة، أرقام لا تنتظم، وإجابات تُشبه أحلامًا ضائعة.
أتمتم في داخلي: “أين كان ذهنه؟”
لعلّه كان في ملعب، أو بين دفاتر الوجع، أو في لحظةٍ لم يرَ فيها نفسه أصلاً.
المحطّة الرابعة: الورقة الثانية
كأنّ الضوء انبثق من بين السطور…
إجاباتٌ مرتّبة، فكرٌ نيّر، وخطّ أنيق يُشبه احترام النفس والعلم.
أبتسم وأقول في قلبي: “ثمّة عقول تُنبت الأمل في زمن الضجيج.”
المحطّة الخامسة: ما بين الورقتين
هنا أضحك بخفّة على إجابة طريفة،
وهناك أشعر بغصّة على جهدٍ ضاع بسبب شرود،
وفي سطرٍ مبهم… أتوقّف، لا لأحكم، بل لأفهم.
المحطّة السادسة: جوهر التصحيح
أنا، جَسي، لا أبحث عن الأخطاء، بل عن البذور.
لا أُفتّش عن الكمال، بل عن المحاولة.
فوراء كل رقم، طفلٌ يتعلّم، وروحٌ تخطئ لتتقدّم، وإنسانٌ يتكوّن.
المحطّة الأخيرة: الرضا
حين أُنهي التصحيح، لا أنهض بتعبٍ فقط، بل بشيءٍ من الرضا.
فالذي يصحّح بصدق، لا يعلّم فقط… بل يُربّي.
ولأنني أعلّم بالقلب قبل القلم،
أُؤمن أن كل ورقة… هي رسالة، وأن كل علامة… هي خطوة على طريق إنسان.
تحيّة من جَسي،
لكلّ مربٍّ يرى ما وراء الكلمات،
ويزرع أثرًا لا يُمحى بالحبر، بل بالرحمة.