عروبة الإخباري –
ليس غريبًا على الأردنيين أن يحتفلوا، لكن المختلف هذا العام، في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، أن الاحتفال لم يكن فعلاً رسميًا فحسب، بل كان فعلًا شعبيًا جارفًا، اجتاح القلوب قبل الساحات، وتغلغل في الوجدان قبل الشوارع، فقد كان المشهد وطنياً خالصاً، كتب فيه الشعب الأردني، بكل فئاته ومكوناته، رسالة صريحة وواضحة لا لبس فيها: “الأردن أولًا، والأردنيون هم السند والسور، لا يساومون على وطن، ولا يفرطون بسيادة، ولا يقبلون بأن يُمس ترابه بكلمة أو نية.”
لماذا كان الاحتفال مختلفًا هذا العام؟
لمن يسأل لماذا كان الطابع الشعبي أكثر حضورًا من الرسمي في هذا العيد الوطني، فإن الجواب يكمن في وعي الشعب وإرادته، ولقد أراد الأردنيون، عن سابق قصد وتصميم، أن تكون هذه المناسبة ساحة للتعبير عن حبهم الذي لا يُضاهى لوطنهم، ولتوجيه رسالة مزدوجة:
داخليًا: أن الأردن بيت واحد لا يتصدع، وأن ما يجمع أبناءه أكبر من كل خلاف، وأعمق من كل ظرف. فإذا نادى الوطن، تناسوا كل ما دون الأردن، وتوحدوا خلفه كما يتوحد الجسد عند الألم.
وخارجيًا: أن الأردن ليس دولة عابرة في الجغرافيا، بل دولة راسخة في التاريخ والضمير، وشعبه لا يعرف الانحناء، ولا يقبل بأن يُملى عليه مسار أو يُفرض عليه خيار.
وحدة تتجدد… ووعد لا يُنسى
لقد أثبت الشعب الأردني، كما فعل مرارًا، أن الاستقلال ليس مجرد تاريخ يُحتفل به، بل هو نهج حياة، وإرادة مستمرة في الدفاع عن السيادة والكرامة والاستقرار. وما شهده الوطن من مظاهر شعبية — من مسيرات عفوية، وزينة وطنية ملأت الشرفات، وأغانٍ وطنية صدحت بها الأفواه والقلوب — لم يكن احتفالًا فقط، بل تجديدًا للولاء، وترسيخًا للهوية الوطنية التي تُثبت كل يوم أنها أقوى من كل الظروف.
هذا التفاعل الشعبي لم يكن وليد لحظة عاطفية، بل هو نتاج وعي جمعي عميق بأن الأردن اليوم يقف عند مفترق حساس، تتقاطع عنده التحديات، وتتطلب فيه اللحمة الوطنية أن تكون في أقصى تجلياتها، فجاء الشعب، كما عهدناه، درعًا واقيًا، ولسان حاله يقول: “لا خوف على وطن يحميه شعبه.”
الأردن… ما بين الاستقلال والتجدد
الاستقلال في مفهومة الأعمق، ليس مجرد انعتاق من الاستعمار، بل هو قدرة الأمة على صون قرارها، وبناء نهضتها، وتمتين جبهتها الداخلية. وهذا ما فعله الأردنيون منذ عام 1946 وحتى اليوم، حينما وقفوا خلف قيادتهم الهاشمية، وبنوا دولة عصرية متماسكة وسط إقليم مضطرب، وجعلوا من الأردن نموذجًا في الثبات، والعقلانية، والكرامة.
وفي الذكرى الـ79، بدا واضحًا أن هذا الاستقلال لا يزال حيًا، متجددًا، يغذيه نبض الشارع، وإيمان الناس بأن لا شيء يعادل الوطن، ولا كرامة تسمو فوق كرامة الانتماء.
الرسالة وصلت
لقد قالها الأردنيون بصوت واحد، عالٍ ومجلجل:
“نختلف في التفاصيل، نعم، لكننا نتفق على الثوابت… أولها وآخرها: الأردن.”
في عيد الاستقلال هذا، لم يكن الأردن بحاجة إلى رسائل دبلوماسية، أو شعارات ضخمة، لأن شعبه تكفل بكل شيء…. نعم تكفل بأن يقول للعالم أجمع: “نحن هنا، في هذا الحمى الهاشمي، ثابتون، موحدون، متمسكون بأرضنا، وملتفون حول قيادتنا، وسنمضي إلى المئة الأولى من عمر الاستقلال، ونحن أكثر قوة وصلابة مما كنا عليه عند البداية.”