عروبة الإخباري –
منذ أن بزغ فجر الاستقلال في الخامس والعشرين من أيار عام 1946، انطلقت المملكة الأردنية الهاشمية في مسارها كدولة ذات سيادة، واضعة نصب عينيها بناء مؤسسات وطنية راسخة تستند إلى مبادئ العدالة والحرية واحترام القانون. وكان من أبرز ركائز هذا البناء، إرساء منظومة قضائية قوية تُشكّل الدعامة الأساسية لدولة القانون والمؤسسات.
الاستقلال: منعطف حاسم في تاريخ الدولة
مثّل الاستقلال تتويجًا لنضال الشعب الأردني بقيادة الهاشميين من أجل التحرر من نير الانتداب البريطاني، وبداية حقيقية لبناء كيان وطني قائم على السيادة والقرار المستقل، ومنذ اللحظة الأولى، أدركت القيادة أن لا نهضة حقيقية دون قضاء مستقل ونزيه يضمن العدالة، فكان إنشاء جهاز قضائي وطني من أولويات الدولة الناشئة.
اللبنة الأولى: نحو قضاء أردني خالص
في السنوات الأولى بعد الاستقلال، بدأت المملكة بتأسيس المحاكم النظامية ووضع البنية التشريعية الوطنية التي تنظم شؤون العدالة، من أبرزها قانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية، وقانون استقلال القضاء. كما تم استبدال القضاة الأجانب بكفاءات أردنية مؤهلة، في خطوة حاسمة نحو تمكين السيادة القضائية وتوطين العدالة.
الدستور الأردني… مرجعية الاستقلال القضائي
جاء الدستور الأردني لعام 1952 ليؤكد على استقلال القضاء كأحد أبرز معالم الدولة الحديثة، إذ نص في مادته (97) على أن “القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون”، وهو ما وفّر إطارًا دستوريًا صلبًا يحمي استقلال السلطة القضائية، ويمنع أي تأثير خارجي على أحكامها أو قراراتها.
دور نقابة المحامين في ترسيخ العدالة
وفي إطار استكمال البنية العدلية للدولة، تم تأسيس نقابة المحامين الأردنيين عام 1950 كهيئة قانونية مستقلة، تُعنى بتنظيم مهنة المحاماة والدفاع عن حقوق المحامين ومصالحهم، والمساهمة الفاعلة في تحقيق العدالة، وقد شكلت النقابة ركيزة حيوية في المشهد القضائي، من خلال شراكتها مع السلطة القضائية في تعزيز سيادة القانون، ورفد الجهاز القضائي بكفاءات قانونية مؤهلة، والارتقاء بأخلاقيات المهنة.
كما اضطلعت النقابة بدور وطني مهم في الدفاع عن الحقوق والحريات العامة، مما عزز من مكانتها كمؤسسة شريكة في بناء منظومة العدالة الأردنية الحديثة.
تطور القضاء: من بناء البنية إلى تحديث المنظومة
لم يقتصر تطوير القضاء الأردني على البنية التحتية فحسب، بل شمل تحديث التشريعات وتأهيل الكوادر، فقد تم إنشاء المعهد القضائي الأردني كرافد أساسي لتدريب القضاة ورفع كفاءتهم، وإدخال التكنولوجيا الحديثة في الإجراءات القضائية، ما ساهم في تسريع التقاضي وتعزيز الشفافية.
وفي إطار التخصص، شُيّدت محاكم نوعية كمحاكم الأحداث والمحاكم الإدارية، انسجامًا مع المعايير الدولية وتلبية لاحتياجات العدالة الحديثة.
العدالة عماد الاستقلال
لقد أثبتت التجربة الأردنية منذ الاستقلال حتى اليوم أن العدالة ليست مجرد مفهوم نظري، بل مشروع وطني مستمر يستند إلى إرادة سياسية صلبة، وإيمان شعبي بدولة القانون. فالقضاء لم يكن يومًا سلطة هامشية، بل ركيزة أساسية في صون الحقوق، وتحقيق الأمن، وحماية الحريات.
وفي ذكرى الاستقلال، يحق للأردنيين أن يفتخروا بما تحقق من منجزات على صعيد العدالة، وأن يتطلعوا بثقة نحو مستقبل قضائي أكثر تطورًا، يواكب تطلعات الوطن ويجسّد طموح شعبه في العدالة والكرامة والازدهار.