عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب –
الموقف العربي من القضية الفلسطينية ليس واحداً، وإن بدا كذلك في البيانات التي تفرزها القمم واللقاءات العربية، فأصابع اليد ليست واحدة، وكذلك المواقف العربية التي بعضها لا يعدو أن تكون القضية بالنسبة له شعاراً يردده بالقول أنها قضية مركزية، في حين تعتبر القضية عن البعض الآخر أمن وطني وقضية وطنية بامتياز.
يستطيع المراقب أن يقرأ بعض المواقف الدولية لبعض الدول من القضية الفلسطينية ليدرك أنها أفضل وأكثر تقدماً
أن دولاً كانت محسوبة على اسرائيل ومن حلفائها، انقلبت عليها ونقدتها واتخذت وما زالت تتخذ إجراءات ضدها لارتكابها حرب إبادة وتجويع ضد الفلسطينيين.
ما الذي يجعل بريطانيا التي ساهمت في خلق دولة الاحتلال بشكل مباشر منذ وعد بلفور وسايكس بيكو ومنذ فرض الانتداب عام 1921، على فلسطين، تنقلب على الموقف الاسرائيلي وتهدد بعقوبات بتنسيق مع الشركاء الأوروبيين في تشكيل حملة ضغط قد لا تستطيع اسرائيل النجاة منها؟
من الذي يجعل فرنسا تعلن بشكل علني أنها ستعترف بدولة فلسطينية وتطالب باعادة النظر في اتفاقيات الاتحاد الأوروبي، وشراكته مع اسرائيل، وكذلك إسبانيا التي سمعنا كلام رئيس وزرائها في القمة ، لنجده متقدماً على الحضور، وقد أعلنت ضرورة مقاطعة اسرائيل اقتصادياً، واتخاذ إجراءات عملية، وتحدثت عن الاعتراف بدولة فلسطين، وكذلك هولندا التي كانت حليفاً لاسرائيل، فانقلبت عليها، وتدفقت شوارعها بأكثر من مائة ألف متظاهر ضد حرب الابادة والتجويع في غزة، وهو الرقم الأعلى في تاريخ التظاهرات في هولندا، ولم يشبهه الاّ خروج نصف مليون متظاهر في شوارع لندن، ومثل هذه الدول سبقتها ايرلندا التي وقفت موقفاً مبدئياً، واعتبرت ما يجري في غزة وكأنه قضية ايرلندية، ووقف الحزب المناضل “الشين بيف” يدين جرائم الحرب في غزة، ويطالب بالعقوبات.
وكذلك على الخط، ويتبعها آخرون ومن قبل عديد من الدول ومنها جنوب افريقيا التي تعامل ترامب مع رئيسها، راما فونزا، في البيت الأبيض معاملة غير لائقة وبلغة ديماغوجية، وهو يحشد الادانات ويحاول النيل من الموقف الجنوب افريقي وتشويهه، لانه أخذ مواقف إنسانية واقام قضية ناجحة في المحكمة الجنائية الدولية، أدانت اسرائيل وطالبت باعتقال قادتها.
لقد كان بادياً غضب ترامب وإنفعاله على الرئيس الجنوب افريقي، وأراد أن ينشر غسيلاً وسخاً من اعداده وادعائه أمام الصحفيين والرأي العام في محاولة للضغط على دولة جنوب افريقيا لتتخلى عن قضيتها، بادعاء أن السود يقتلون البيض ويميزون ضدهم، متناسياً نضال هذا الشعب الأفريقي المناضل لمئات السنين، ورغم أن الرئيس رامافوزا، ذكر ترامب بنيلسون مانديلا ودستوره وموقفه، الا أن هذا الكلام كان بمثابة الطبل عند الطرشان، فترامب دبّر الجلسة واخرجها وأراد احراج الرئيس الجنوب افريقي والنيل من سمعة بلاده لصالح اسرائيل، وقد صبر الرئيس الافريقي أمام اللغة العنصرية التي افتعلها الرئيس الامريكي الذي أعد ملفاً بالصور، وناوله للرئيس الافريقي الذي وعد بقراءة كل ما جاء فيه والتحقق، ومع ذلك لم يكف ترامب عن الكلام المقذع، رغم ان الرئيس راما فوزا، طالب بعدم استئناف الحوار والمفاوضات أمام وسائل الاعلام.
هذا الأسلوب الوقح الذي مارسه ترامب من قبل ، لا يليق بالدبلوماسية ولا البروتوكول، او الاتيكيت، ولكنه فعله كاسلوب ابتزاز، وما زال وسيفعله مراراً وهو.يوظف ثقل الولايات المتحدة ودبلوماسيتها في المحافل الدولية،لتوفير غطاء سياسي للجرائم الاسرائيلية التي ما زالت تتوالى، وآخرها حرب الابادة والتطهير العرقي في غزة، فالولايات المتحدة هي من تحمي اسرائيل من العقوبات الدولية، وتمنع من اتخاذ قرارات فاعلة في مجلس الأمن، حين تستعمل الفيتو، وهي من تحاول تحييد قرارات المحكمة الجنائية الدولية وإبطالها.
لماذا تنقلب الدول الاوروبية العديدة والهامة والفاعلة كما رأينا على السلوك الاسرائيلي، وتدينه بجسارة، وهو السؤال الذي اردناه بداية هذه المقالة؟
اعتقد أن السبب هو انها أنظمة ديموقراطية وقياداتها منتخبة من برلماناتها،وتستطيع أن تضغط شعوبها على انظمتها فتستجيب لرغباتها، وهذه هي الديمقراطية وتاثيرها، فهي الرافعة الحقيقية للأمن الوطني.
فحين تكلم وزير الخارجية البريطاني في البرلمان بهذه اللغة الواضحة، فلأنه وطني ولأنه منتخب، وما يهمه هو رضى شعبه وناخبيه.. والسؤال، هل يمكن نحن العرب في صيغتنا العامة أن يصعد الموقف العربي في قممنا العربية ليكون لنا نفس الموقف من الوضوح، فما يجري في غزة ليس من مصلحة أي عربي السكوت عليه، بل لا بد من مواكبته، ووقفه ولدى العرب الكثير ليفعلوا غير تقديم الأموال الهائلة للولايات المتحدة وكانهم يكا فئونها