عروبة الإخباري –
جملة أصبحت معتادة في مقار العمل، وأصبحت أسطوانة جديدة «تشدخ» في القطاعات والإدارات، يستيقظ الموظف لا ليسأل: ما الذي سأنجزه اليوم؟ بل: «هل راح ألحق أبصم؟».
بكل أسف، تحوّلت البصمة من أداة لتنظيم الدوام إلى فكرة «تصدّع» رأس الموظف أكثر من الدوام والعمل ذاته. أصبحت العشوائية واقعاً يعيشه آلاف العاملين في قطاعات الدولة، بعد عام من تطبيق ما يُعرف بالبصمة الثالثة.
كان المبرر الرسمي واضحاً، وهو الانضباط، ورفع الكفاءة، وتقليص البطالة المقنعة – وهذا ما نتفق واتفقنا معه – لكننا نعيش اليوم أمام مشهد مغاير تماماً:
مواقف مزدحمة، ومكاتب مكتظة، وممرات تعج بالموظفين الذين ينتظرون دقائق «البصمة الذهبية» عند الثانية إلا دقيقة، والنتيجة، حضور بدني مكتمل وإنتاج فعلي ناقص.
ما حدث ببساطة أن القرار اختزل كل معنى «الإنتاجية والعمل» في فكرة «التبصيم الزائد».
أصبح التقييم ليس بما تُنجز، بل متى وصلت، ومتى خرجت ومتى بصمت بنصف العمل، حتى أصبح الموظف يُحاسب على الدقيقة – والوقت بدل الضائع- لا على القيمة.
نعم، قرار البصمة زاد فقط من معدلات الحضور والتواجد، حال الموظف حال «الكراسي»، لكن هل تحسن الأداء؟ هل خفّ العبء عن المراجعين؟ هل شعر الموظف بقيمة إضافية وتوجيه احترافي منظم؟ هل تم عمل دراسات ومتابعة للقرار بعد عام من تطبيقه؟ وما هي النتائج والتوصيات؟
مع الأسف، أغلب الإجابات تدور حول عبارة واحدة تتكرر على لسان الجميع: «نسيت أبصم الثالثة!»، عبارة بسيطة، لكنها تختصر فوضى القرار، وعبء التنفيذ، وسطحية الأثر، أصبحت إدارات شؤون الموظفين تتعامل مع «بلاغات نسيان البصمة الثالثة مثل الطوارئ، لكن من دون الاتصال على رقم 112!».
سعادة المستشارين، الحل ليس في عدد البصمات ولو كانت «10»، والرهان الحقيقي ليس على وقت الحضور، بل على كيف نحفّز العقول لا الأقدام، كيف نبني الإنسان لا الدقائق. فلننتقل من ثقافة المراقبة إلى ثقافة الاستثمار البشري ووضع كل خرّيج مختص في مكانه الحقيقي. ولننظر للدول التي سبقتنا، كيف استثمرت في الموظف كعقل منتج، لا ككائن «روبوتي» «يفتر» بين أجهزة البصمة.
سعادتكم، نحن لسنا بحاجة لبصمات إضافية، بل لبيئات عمل تحترم الوقت، وتعزز القدرة الإنتاجية، وتنافس القطاعات الخاصة والمؤسسات العريقة المتطورة، نحتاج إلى بيئة خصبة تزرع الإبداع، وتأتي بالنتائج. دعونا نعيد التفكير، لا في عدد «البصمات»، بل في فلسفة الإدارة.
بالقلم الأحمر: هل آن الأوان لنرفع البصمة… ونرفع معها سقف التفكير؟