عروبة الإخباري –
في بلد أنهكته الأزمات وتراجعت فيه الثقة بين المواطن والدولة، تأتي الانتخابات البلدية ليس بوصفها مجرد استحقاق ديمقراطي، بل كفرصة حقيقية لإعادة ترميم ما تصدّع في جسد الدولة من القاعدة إلى القمة. لقد قال الناس كلمتهم، وجاءت النتائج لتمنح الفائزين شرعية المسؤولية لا امتياز السلطة.
البلديات، بما تمثله من تقاطع مباشر مع يوميات المواطن، لم تعد ترفًا إداريًا أو موقعًا لتبادل النفوذ، بل باتت خط الدفاع الأول عن كرامة الناس وحقوقهم، في الكهرباء والمياه، في البيئة والصحة، في التخطيط والتنمية. والمطلوب اليوم من المجالس البلدية المنتخبة أن تتحول من واجهات انتخابية إلى سلطات محلية فاعلة، تعيد الاعتبار لدور الدولة من خلال أداء شفاف، كفوء، ومنفتح على الناس.
إن اللحظة الراهنة هي لحظة امتحان للثقة، ولحظة بناء فعلية، لا مجال فيها للوعود الفضفاضة أو الشعارات المستهلكة. فإما أن تكون البلديات نقطة انطلاق لتغيير حقيقي يُبنى من الأرض، وإما أن نخسر فرصة جديدة كان يمكن أن تكون بداية الإنقاذ.
فمع انتهاء الاستحقاق البلدي في مختلف المحافظات اللبنانية، وصدور النتائج التي أفرزت تغيرات في مشهد التمثيل المحلي، تدخل البلاد مرحلة جديدة تتطلب من الفائزين الارتقاء إلى مستوى التحديات الجسيمة التي تواجه المواطنين. فالبلدية ليست منصبًا تشريفيًا، بل هي سلطة محلية أساسية تتقاطع بشكل مباشر مع تفاصيل الحياة اليومية للناس، وتشكل حلقة وصل حيوية بين الدولة والمجتمع.
اليوم، المطلوب من المجالس البلدية المنتخبة أن تتحول من واجهات انتخابية إلى سلطات محلية فاعلة، شفافة، ومبادِرة، تُسهم في وضع حجر الأساس لنهوض لبنان من أزماته، انطلاقًا من القرى والبلدات وصولًا إلى المستوى الوطني. يتعين على هذه المجالس أن تقدم نموذجًا لحكم محلي مسؤول، يضع مصلحة المواطن فوق أي اعتبار سياسي أو طائفي، ويعتمد في أدائه على الكفاءة والعمل الجدي لا على الشعارات.
إن إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة تبدأ من القاعدة. ومن خلال أداء فعلي، قريب من الناس، تُتاح للمجالس المنتخبة فرصة حقيقية لكتابة تجربة جديدة في العمل البلدي، قوامها المشاركة، والشفافية، والتخطيط، بما يعيد الأمل في إمكان النهوض المشترك، ولو من المستوى المحلي.