عروبة الإخباري –
في بلد أنهكته المحاصصة وأثقلته الصفقات السياسية، يلمع اسم إيمان الرافعي كاستثناء نادر، بل كدليل على أن الكفاءة لا تزال تجد مكاناً – ولو مؤقتاً – في دهاليز الإدارة اللبنانية.
السيدة الفاضلة، إيمان الرافعي، التي تم تعيينها محافظاً بالوكالة ليس مجرد قرار روتيني لتعبئة شغور إداري، بل رسالة واضحة، وإن غُلّفت بدبلوماسية: هناك من اختار منح طرابلس فرصة لتتنفس الإدارة الرشيدة، ولو من كوة صغيرة.
قد لا تكون الظروف قد خدمتها بمنصب دائم، بسبب منظومة طائفية تقف سدّاً بوجه تعيين محافظ مسلم سنّي في مدينة يغلب عليها السنّة، لكن مجرد تكليفها، ولو “وضعاً في التصرف”، هو موقف بحد ذاته. هو تصحيح متأخر لمسار إداري ارتبك طويلاً، وهو اعتراف غير معلن بأن أداء الرافعي يستحق أن يُستثمر لا أن يُستبعد.
فمن هي هذه المرأة التي فرضت حضورها من دون ضجيج، والتي يعوّل عليها كثيرون لتكون صوت العقل وسط صخب السياسة؟
إيمان الرافعي: حياد في زمن الاصطفاف
وسط هذا الواقع المشوّه، يأتي قرار تكليف إيمان الرافعي كمحاولة خجولة – لكنها بالغة الدلالة – لتغيير النمط، فالرافعي ليست شخصية جدلية، ولا تنتمي لأي محور سياسي، بل هي موظفة دولة بالمفهوم الكلاسيكي الشريف للكلمة: محايدة، محترفة، لا تتورط في صراعات المصالح، ولا تخضع للابتزاز.
من قضاء زغرتا – الزاوية، حيث بصمتها لا تزال واضحة في حل الخلافات البلدية وتهدئة التوترات المحلية، إلى أروقة الإدارة المركزية، حافظت الرافعي على سجل إداري ناصع. قدرتها على الجمع بين الحزم والهدوء، وبين القانون والمرونة، جعلت منها اسماً يحظى باحترام الإدارات، وحتى الخصوم.
تكليف… لا يكفي، لكنه بداية
صحيح أن تكليفها بالوكالة لا يمنحها الصلاحيات الكاملة، لكن مجرد توليها هذا المنصب، ولو مؤقتاً، هو خطوة نحو استعادة منطق الكفاءة في إدارة الشأن العام.
الرافعي لا تملك عصا سحرية، ولن تغيّر وجه طرابلس بين ليلة وضحاها، لكن وجودها هو إعلان نادر بأن الدولة، حين تريد، تستطيع أن تختار الأفضل.
طرابلس، المدينة التي لطالما اعتُبرت “خاصرة رخوة” أو ساحة تصفية حسابات، تستحق أن تُدار بعقل مؤسساتي، لا بأهواء المحاور. واختيار الرافعي، في هذا السياق، ليس فقط قراراً إدارياً، بل بادرة أمل تقول: ثمة طريق آخر ممكن… إن قررت الدولة أن تحترم ناسها.