عروبة الإخباري – كتب : اشرف محمد حسن –
عندما كنا اطفالاً ونلهو في الحارات والازقة ، كانت لدينا العاب شعبية مثل “الزقوطة” والمعروفة بالمسّاكة و “كُم السير” والمعروفة بالطماية او الغماية ولعبة “ام التحية” ويتذكر مثل هذه الألعاب أجيال الستينات وبدايات السبعينات من القرن الماضي وكان لدينا مصطلح “ابَّع” وكنا نستخدمه اذا كان اللاعب قد تعرض للحصار قبيل ان يمسكه الخصم ويعني هدنة أي وقف سير اللعبة بشكل مؤقت فاذا قالها اللاعب قبل ان يمسك به الخصم يكون هذا الإمساك غير قانوني والكثير من الأطفال اللاعبون الحذقون يعرفون التوقيت الأنسب لاستخدام هذا المصطلح لتفادي أي خسارة والبقاء كلاعب أساسي ودون عناء وقوانين اللعب هنا كانت تشبه الى حد ما لعبة المصارعة البريطانية التي كان التلفزيون الأردني يقوم ببثها خلال فترة السبعينات والتي من قوانينها انه في حال ان احد اللاعبين تم تثبيته او مضايقته من قبل الخصم يلجأ حبل الحلبة فحتى لو تم تثبيته وجزء من جسده ملامس لحبل الحلبة عند ذلك يكون تثبيته غير قانوني .
لعل هذا ما ينطبق تماماً على سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تعامله مع مختلف القضايا العربية والعالمية فقد أعلن ترامب وبشكل مفاجئ الثلاثاء الماضي، أنه قرر وقف الضربات ضد اليمن مقابل التزام الحوثيين بوقف استهداف السفن..!، وهو ما وصفته الجماعة بالانتصار، واشار ايضاً بأن لديه “إعلانا كبيرا للغاية” قبل زيارته للشرق الأوسط وقال ترامب إن “الحوثيين قالوا إنهم لم يعودوا يريدون القتال، وهذه أخبار جيدة”، كما قال الرئيس الأميركي، في تصريحاته للصحفيين خلال استقباله رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في البيت الأبيض “أقبل كلمة الحوثيين بأنهم سيوقفون هجماتهم، وقررنا وقف قصفنا بشكل فوري..!” .
في وقت سابق قال الرئيس ترامب انه سيتوجه الأسبوع المقبل إلى السعودية والإمارات وقطر، في حين نقل موقع أكسيوس عن مسؤول أميركي قوله إنه لا جدوى حاليا من زيارة ترامب للكيان الصهيوني ووفقا لمسؤولين صهاينة تحدثوا للموقع، فإن الحرب على قطاع غزة هي السبب في عدم شمول الكيان ضمن جولة الرئيس الأميركي في منطقة الشرق الأوسط لكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى أن ترامب أعطى النتن ياهو الضوء الأخضر للقيام بما يراه مناسبا بالإضافة الى أن ترامب لا يلعب دورا نشطا في الجهود الحالية الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، حيث قال مسؤولون أميركيون وعرب لأكسيوس إن قطاع غزة ليس أولوية قصوى لترامب، ومن المرجح أن يركز خلال زيارته على القضايا الثنائية والاستثمارات ونقل أكسيوس أيضا عن مسؤول عربي قوله إن الصورة العامة لزيارة الرئيس ترامب إلى المنطقة في سياق حرب غزة سيئةٌ للغاية كما قال مسؤولون صهاينة وأميركيون إن تركيز البيت الأبيض تحوّل إلى الحرب في أوكرانيا والمحادثات النووية مع ايران في غضون ذلك، وكان الرئيس الأميركي وفي وقت سابق ايضاً إن بلاده ستعمل على إيصال المساعدات الغذائية إلى سكان قطاع غزة وأضاف ترامب في تصريحات بالبيت الأبيض أن العديد من الأطراف تسهم في تفاقم الأوضاع، وأن حماس تستولي على كل ما يتم إدخاله للقطاع، على حد قوله حسب الموقع .
ان المتتبع للاحداث وتصريحات ترامب منذ اعلان فوزه في الانتخابات الامريكية يجد التضارب والتناقض بشكل كبير فهو قد صرح بانه قد تفاجئ بوجود اسرى صهاينة احياء خلال لقائه الرئيس السابق بايدن وقبل تسلمه مهامه كما عمل على اتفاق لوقف اطلاق النار على قطاع غزة مبيتاً النية للانقلاب على هذا الاتفاق وبالتنسيق الكامل مع النتن ياهو وما حدث هو هدنة مؤقتة دون وقف الحرب كما صرح سابقا بنيته شراء قطاع غزة وتهجير أهلها وتراجع عن هذا التصريح لرفض دول المنطقة بالإضافة الى الحرب في أوكرانيا والتي قايض الرئيس فولوديمير زيلينسكي بالدعم مقابل المعادن النادرة الى ان استطاع الاحتيال على الإدارة الأوكرانية والأوروبية وحصل على صفقة المعادن دون أي ضمانات بانهاء الحرب هناك واذكر هنا بتعليق له على تصريحات زيلينسكي بان أوكرانيا لن “تعترف قانونياً باحتلال القرم”، وهو بند أدرجته إدارة ترامب كجزء من مقترحها لإنهاء الصراع، حسب قوله وخلال اجتماع مثير للجدل في المكتب البيضاوي في فبراير/شباط الماضي، قال ترامب لزيلينسكي: “ليس لديك أوراق الآن. معنا ستبدأ بالحصول على أوراق”، حسب قوله وأضاف ترامب في منشوره: “هذا التصريح ضار جداً بمفاوضات السلام مع روسيا حيث فُقدت القرم منذ سنوات تحت رعاية الرئيس باراك حسين أوباما، ولم تعد هناك حتى نقطة نقاش. ولا أحد يطلب من زيلينسكي الاعتراف بالقرم كإقليم روسي، ولكن إذا كان يريد القرم، فلماذا لم يقاتلوا من أجلها قبل 11 عاما عندما تم تسليمها إلى روسيا دون إطلاق رصاصة واحدة!؟ وهذا يشير بشكل واضح الى انه وبحسب موروثنا الشعبي حكمة هامة جداً وهي مقولة “ما حك جلدك مثل ظفرك” وان الولايات المتحدة وخلال كافة اداراتها المتعاقبة لن تعطي احد شيء بل تأخذ فقط.. بالاحتيال حتى على حلفائها او من يسر خلفها معتمدة على اثارة الفتن في كافة بقاع الأرض، وبالعودة الى حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وبعد الخديعة التي قام بها ترامب من خلال اتفاق وقف اطلاق النار وانهاء الحرب والذي نتصل منه لاحقاً وإعلانه المفاجئ وقف الضربات ضد اليمن مقابل التزام الحوثيين بوقف استهداف السفن، وبلا أي ضمانات..! وقد استثنى الاتفاق سفن الكيان الصهيوني، بشكل يظهر تخليه المؤقت عن الكيان الصهيوني والذي لا يجرؤ في الأصل على اتخاذ هذا القرار..! فببساطة.. ترامب يتصرف كصبي متحاذق يلعب في الحارة ويطق عبارة (ابَّع) بشكل مؤقت يهدف منها الحصول على المال خلال زيارته الى المنطقة حيث انه اعلن سابقاً بانه يريد مبلغ ترليون دولار على شكل صفقات بالإضافة الى حث هذه الدول الى ضخ المزيد من الأموال من خلال الدعوة الى الاستثمار داخل الولايات المتحدة بعد قراراته الغريبة بشأن الرسوم الجمركية والذي يعد انقلاباً واضحاً على كافة اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وبعد جني هذه الأموال.. وبالاتفاق مع النتن ياهو يعود الوضع الى ما هو عليه الان من حرب إبادة جماعية كون انه لا يوجد موقف عربي قوي، موحد وواضح بشأن الزام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة باستئناف المضي الى المرحلة الثانية من اتفاق وقف اطلاق النار الذي نفذ منه المرحلة الاولى فقط وتنصلوا منه،حيث ان المرحلة الثانية تتضمن انسحاب جيش الاحتلال من اراضي القطاع بما فيها محور فيلادلفيا ورفع الحصار عن القطاع ووقف الحرب بشكل نهائي واعادة اعمار القطاع.. اذ انه ايضاً لا توجد أي ضمانات لالتزامه ولن يقدم اي ضمان حقيقي.. فهو وبشكل واضح ممن لا امان.. ولا عهد لهم.
لا عهد لهم.. ترامب والسياسة الابعيّة..!
6
المقالة السابقة