عروبة الإخباري –
في مجتمع خليجي، يحظى معظم السكان في هذه البقعة ببشرة حنطية أقرب إلى الداكنة، وينتشر – هنا – مشهد قد يبدو مُحيراً للوهلة الأولى: شباب وفتيات ببشرة حنطية أو سمراء يتهافتون لشراء منتجات الاسمرار (التان)، ينتظرون فصل الصيف ليبدأوا رحلة «التشمُّس» في «القايلة»، حيث يُنفقون أموالاً طائلة من أجل الحصول على درجات بشرة بلون أغمق! فهل «فايتنا» شيء، أم هي مجرَّد موضة عصرية؟ أم أن وراء هذه الظاهرة رمزية أعمق تتجاوز اللون، وتمتد إلى مفاهيم الرفاهية والبحث عن الذات في الزمن الجديد؟
لم يعد التان مجرَّد موضة صيفية، بل هناك دلالات نفسية واجتماعية وثقافية مرتبطة بمنتج «الاسمرار»، فقد تعمَّقت بالقراءة والبحث في هذا الموضوع الذي أثار فضولي، نعود بالزمن إلى قبل القرن الـ 20، حيث كانت البشرة البيضاء رمزاً وحكراً للطبقة البرجوازية. أما الفقراء، فكانوا يعملون تحت الشمس، وبذلك فهم يحملون سمات بشرة «الطبقة الكادحة»، وهي البشرة السمراء.
لكن الصورة النمطية بدأت تتغيَّر في القرن الـ 20، وتحديداً في عام 1923، بعد أن ظهرت كوكو شانيل (مصممة الأزياء الشهيرة) بلون بشرة سمراء (تان)، بعد عطلة في الريفيرا الفرنسية (وفق الروايات)، ومنذ ذلك الحين أصبح التان رمزاً للثراء والراحة والسفر في أوروبا والغرب.
ومن هناك، بدأت المجتمعات الغربية تعتبر البشرة السمراء «الحنطية» مقترنة بالعطلة، والرفاهية، والصحة، والحياة النشيطة.
نعود لمحور الموضوع والسؤال المُحيِّر: لماذا يلجأ الخليجيون – ذوو البشرة الحنطية – لعمل التان مثل الأوروبيين «الشقر»؟
بعد قراءتي في هذا الموضوع استنتجت أن التان ليس مرتبطاً بلون بشرة فقط في أوساط الجيل الجديد أو بالمجتمع، ولا يرتبط كذلك بالرغبة في تغيير اللون، بل بالشعور بالمظهر، والمكانة الاجتماعية والنشاط، والشباب الحيوي، الذي يتمتع بمواصفات شاب عصري متمدن، وارتبط «نفسياً» كرمز للرفاهية، واقترن كذلك بالسفر والجُزر والاستجمام، والذي بالنهاية يرمز للحياة السعيدة! كما يجده البعض من الجانب «الجمالي» أنه مرتبط بالقوة والرياضة، خصوصاً في أوساط بعض الرياضيين مفتولي العضلات الذين يظهرون في عروض كمال الأجسام لإبراز قوتهم العضلية والبدنية.
واجتماعياً، انتشرت فكرة التان من قِبل بعض المشاهير والمؤثرين الذين روَّجوا لمنتجات الاسمرار، وظهروا بلون بشرة نال إعجاب بعض الشباب، الذين قاموا لاإرادياً بالتقليد الأعمى لهؤلاء المشاهير، و«مشت السالفة عليهم».
وما لفت انتباهي شخصياً، هو اللهث خلف المظاهر الجديدة، حتى لو لم تناسب مجتمعاتنا، ولا تناسب طبيعة سكانها، لكنه واقع مرير مرتبط – بشكل كبير- بعقلية شباب الجيل الجديد، الذي يبحث عن حياة سعيدة ورمزية رفاهية في منتج «تسمير».
بالقلم الأحمر:
يبدو أن التان الخليجي هو انعكاس مرتبط بهوية ثقافية جديدة.