سؤال مشروع في سياق رؤية التحديث الاقتصادي والتي أطلقت لتكون خريطة طريق نحو مستقبل اقتصادي أكثر توازناً واستدامة، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن الحكومة أنجزت ما نسبته 28.8 % من أولويات البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، أي 157 أولوية من أصل 545 حتى نهاية الربع الأول من عام 2025، وفي الوقت نفسه، ما تزال 358 أولوية قيد التنفيذ، بينما هناك 17 أولوية متأخرة، و13 لم يبدأ العمل بها بعد.
هذا التقدم، وإن بدا نسبياً، يعكس التزاماً مؤسسياً واضحاً بآلية العمل ضمن الرؤية، خصوصاً أن التنفيذ يتم وفق خطة زمنية دقيقة ومحددة الأهداف، لذلك جاءت خريطة الطريق شاملة، ليس فقط في توزيع الأولويات على ثمانية محركات اقتصادية، بل أيضاً في بناء مؤشرات قياس واضحة وتحديد الجهات المسؤولة عن التنفيذ والمتابعة.
ومن هنا، فإن أي إنجاز في هذا السياق يجب أن يُقرأ ضمن الصورة الأشمل، لا كمشروعات منفصلة، بل كمكونات مترابطة لرؤية اقتصادية تسعى لإحداث فرق فعلي على أرض الواقع.
لكن يظل السؤال قائماً: كيف نربط هذا الإنجاز الفني بتحسينات محسوسة في حياة الناس؟ الأرقام تشير إلى تقدم في محركات الصناعات عالية القيمة، والخدمات المستقبلية، والريادة، وهو أمر مهم إذا ما أُحسن ترجمته إلى فرص عمل جديدة، وتحسين في نوعية الخدمات، وجذب للاستثمارات، كذلك لا يمكن تجاهل أهمية التقدم في محركات نوعية الحياة والموارد المستدامة، إذ إن هذه القطاعات تمس بشكل مباشر حياة المواطن اليومية.
الحكومة خصصت في عام 2023 نحو 670 مليون دينار لتنفيذ الرؤية، ورفعت الرقم إلى 734 مليوناً في عام 2024، فهذا يعني أن هناك استثماراً فعلياً في التحول، ما يشير إلى جدية واضحة، ومع ذلك، فإن النجاح لا يقاس بحجم الموازنات المرصودة فقط، بل بمدى انعكاس هذه الاستثمارات على الاقتصاد الحقيقي، فهل تسارعت وتيرة التشغيل؟ هل تحسنت بيئة الأعمال؟ هل ارتفعت ثقة المستثمر؟ هذه الأسئلة يجب أن تظل حاضرة، لأنها تمثل المؤشر الحقيقي على ما تحقق.
نحن اليوم في منتصف الطريق تقريباً، بين انطلاق الرؤية في نهاية 2022، والهدف المرحلي في نهاية 2025، ومع أن الأرقام تبعث على التفاؤل، فإن التحدي الأكبر ما يزال قائماً: ضمان ألا تبقى هذه الإنجازات محصورة في تقارير المتابعة، بل أن تتحول إلى نتائج ملموسة يلمسها المواطن في تفاصيل حياته، ويشعر بها المستثمر في قراراته، ويعتمد عليها الشاب الباحث عن فرصة.
رؤية التحديث الاقتصادي ليست هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لإحداث تغيير حقيقي، والإيجابية هنا لا تأتي من مجاملة الواقع، بل من الإيمان بأن البناء قد بدأ فعلاً، وأن الطريق مرسوم بدقة، ويبقى الآن أن نُسرّع في الخطى، ونُحسن الربط بين كل إنجاز فني وتحسّن فعلي في الحياة اليومية للمواطن.